توقيت الضربات الامنية لم يعد صدفة وما نعيشه اليوم سببه تداعيات الاهمال المحلي وتفويت فرص الربيع العربي
الجمعة 27 حزيران 2014، آخر تحديث 14:32 رولى راشد
حملت ثورات الربيع العربي التي بدأنا نشهد نهايتها في بعض البلدان العربية فيما لم يحدد مصيرها لغاية تاريخه في البعض الآخر، تغييرات لم تقتصرفقط على الانظمة السياسية وانما الاقتصادية وقد طالت تداعيتها دول المنطقة الاخرى ومن بينها لبنان.
فقد تركت ثورات "الربيع العربي" بصماتهاعلى الواقع الاقتصادي المتردي بالأساس في معظم الدول العربية.وكانت في آن معاً سبباً لتراجع الأداء الاقتصادي، كما كانت نتيجة لميراث اقتصادي مليء باختلالات هيكلية مزمنة في كافة القطاعات الاقتصادية، وتراكم في الديون، وزيادة مستمرة في عجز الموازنات، وتفاقم في انتشار البطالة بين الشباب.
وكشفت دراسة لقياس "الآثار الاقتصادية للثورات العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" عن نمو تدفقات الحوالات إلى بلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا خلال عام 2011 بنسبة 2.6%، وهو المعدل الذي يعد الأبطأ بين جميع المناطق المتقدمة، نظراً لحالة الغموض وعدم الاستقرار المدني التي فجرتها الثورات العربية. ولاحظت الدراسة أن ما يزيد على 25% من الحوالات الواردة إلى بلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ينبع من بلدان مجلس التعاون الخليجي.
وفي هذا الاطار،اعتبر رئيس مجلس إدارة صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية وخبير الاقتصاد والتنمية الدكتور عمر الرزاز إن ما يسمى "الربيع العربي" لن يبقي الأوضاع كما كانت عليه في السابق في كل من تونس ومصر وليبيا وفي باقي الدول العربية التي عرفت ومازالت تعرف حراكا سياسيا.
ولفت الى ان انعكاسات الربيع العربي على الاقتصاد الاردني متعددة، منها ما هو سلبي، ومنها ما هو ايجابي. المهم هو كيفية تعامل الحكومات مع احتجاجات الشارع، وكيفية ادارتها لازمة الحراك ايجابيا، لافتا الى انه كانت للربيع العربي اثار مهمة على عمليات الحد من الاعتداء على المال العام ووقف الهدر في انشطة الدولة الانفاقية غير الرشيدة.
كما ان تداعيات الربيع العربي على الاقتصاد الاردني كانت في بعض الجوانب سلبية من عدة جوانب ابرزها: تردد المسؤول في اتخاذ القرارت الحاسمة او حتى الروتينية منها تجنبا للمساءلة او اتهامه بتهم مثل الفساد والمحسوبية.
اما في لبنان فما هي تداعيات الربيع العربي على الوضع الاقتصادي الذي يبقى محكوماً بالخلافات السياسية الداخلية والاقليمية ؟
محمد شقير
رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية في المتوسط "اسكامي"، رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير اعتبر ان الربيع العربي حصل في عدد من البلدان العربية التي عرفت اهتزازاً في الامن اثر الحوادث التي وقعت ومازالت تقع في العديد منها.وقال شقير "لموقع النشرة الاقتصادية": من المعروف ان اي تحسن اقتصادي اوحتى اي استثمار جديد اقتصادي وتجاري بحاجة الى 3 او 5سنوات اقله يستطيع معه البلد من استعادة عافيته هذا بالطلع اذا توّفر الامن كما هو مفروض.
ومثالا على ذلك، مصر اليوم التي عانت الكثير في السابق من اعمال شغب واحداث وانفجارات، فلولا المساعدات التي قدمتها لها دول الخليج وسيما المملكة العربية السعودية لما استطاعت من النهوض مجدداً. ولغاية تاريخه ،مازال المستثمر يبحث عن الامن والاستقرار الى جانب الحوافز الاخرى التشجيعية.
ومن المعلوم انه في الاقتصاد لايمكن التحدث بالعواطف وانما المطلوب الامن قبل اي شيء، تليه الحوافز الاستثمارية و الضريبية في كل القطاعات التجارية والسياحية والعقارية...
وهذا ما هو مطلوب اليوم من الحكومة المصرية وكذلك في تونس. اما في ليبيا فان الوضع مختلف والامور غير واضحة عما اذا كان هناك من ربيع عربي او انه لم يبدأ بعد.
ملوك الفرص الضائعة
اما في لبنان فانا اعتبر ان ما يحصل على ابواب كل صيف ليس بالصدفة . فاذا عدنا بالذاكرة الى العام 1978ولغاية هذا العام باستثناء 2004 فمع بداية كل موسم صيف يحدث توتر امني يقضي على كل ما تبقى من السنة ويقضي على النمو الذي نكون قد بدأنا نعيشه. والجدير ذكره ان آخر كل 6اشهر من السنة يتم تأمين نسبة 70% من الناتج المحلي لكل السنة. من هنا اقول ان توقيت الضربات الامنية لم يعد صدفة، فكأن ثمة من لايريد لهذا البلد ان يتعافى وينهض من جديد.
الا انه رغم كل شيء اتوقع بين شهر آب و 15 ايلول المقبلين ان يستعيد الموسم السياحي والاقتصادي عافيته في لبنان، سيما وان العديد من اخواننا في بلدان الخليج والدول العربية ينوي المجيء اليه لقضاء عطلة ما بعد عيد الفطر السعيد.
وعلى هذه الفترة نحن نعوّل كثيراً للتعويض عما خسرناه سابقاً ولتأمين استمرارية المؤسسات التي كانت تستعد للاقفال.
واما بالنسبة لانعكاسات الربيع العربي على الاوضاع الاقتصادية في لبنان ، فنحن باختصار ملوك الفرص الضائعة. ولولا الخلافات السياسية القائمة عندنا لاستفدنا من الازمة السورية واستطعنا تحسين العجلة الاقتصادية والسياحية. ولكن مع اقفال طريق المطار لاكثر من مرة والنزول الى الشارع في اكثر من مناسبة احتجاجية غابت كل فرص التنمية وتحقيق النمو المطلوب.
نسيب غبريل
اما رئيس قسم الابحاث في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل فبرأيه اننا في لبنان لم نلمس بعد النتائج الاقتصادية الايجابية للربيع العربي. اوربما اننا ما زلنا في المرحلة الاولى منه. وقال : المشوار ما زال في بدايته ولحصد النتائج الاقتصادية لتغيير الانظمة المستبدة يجب العمل لفترات طويلة والانتظار لاجيال وسنوات للوصول الى الحكم العادل وتحقيق العدالة والمشاركة الاقتصادية وليست السياسية فقط.
وان للشعوب العربية الحق بالمطالبة بالتغيير وبالحصول على الفرص الاقتصادية الملائمة ولكن عليها ان تعي ان هذا التغيير يتطلب جهد وعمل ووقت لا يتم الحصول عليه بين ليلة وضحاها .فمثلا الجمهورية الفرنسية التي نعرفها اليوم احتاجت الى 148 سنة لتصل الى ما هي عليه اليوم.
والخسائر الاقتصادية المتراكمة من جراء تغيير الانظمة في الدول العربية بلغت 223 مليار دولار بين 2011 و2013 . وعلى الشباب الذين ثاروا من اجل هذا التغيير وتبديد الانظمة الانتظار لبعض الوقت وصولاً الى النظام المنشود الشبيه بالانظمة الاوروبية التي تحترم حقوق الانسان،تؤمن فرص العمل وتحقق شبكة الامان الاجتماعي.
اما في لبنان، فانه قبل التحدّث عن تداعيات الربيع العربي، لابد من الاشارة الى ان الوضع الاقتصادي كان ومازال يعاني من خلل بنيوي لم يسمح له بتلقف اي فرص . كما انه هناك شبه انعدام للبيئة التنافسية مع العلم انه بين 2007 و2010 تمكن من تحقيق نسبة نمو 8,5%سنوياً. وشهدنا فترة ازدهار استثنائية بعد اتفاق الدوحة واعادة تفعيل المؤسسات واستتباب الوضعين السياسي والامني، فضلاً عن تراجع حدة الخطاب السياسي. وقد ترافق ذلك مع الازمة المالية العالمية التي استفاد منها الاقتصاد اللبناني في مختلف قطاعاته. وكانت المواسم السياحية قياسية.
كما بقي القطاع المصرفي بعيداً عن المرّكبات المالية او الادوات السامة كما أطلق عليها خلال الازمة المالية العالمية. لقد استقبل الودائع بشكل قياسي لانه كان مهيئاً لذلك. وبوجود ادارة حكيمة نجح في كسب الفرص .
الا انه في غضون ذلك، لم نستفد من فترة السماح هذه لتحقيق الاصلاحات من اجل تحسين المناح الاستثماري ولرفع مستوى التنافسية. لابل بقي الاقتصاد اللبناني معرّضاً لاي خضّة سياسية او امنية.
تداعيات محلية
وقبل الربيع العربي نذكر انه في كانون الاول2010، ارتفعت حدة الخطاب السياسي تبعها سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني 2011 مما شكل خضة سياسية كانت لها تبعات على ثقة المستهلك والمستثمر في لبنان . وفي هذا الوقت كانت الانظمة تتغير في بلدان شمال افريقيا .وكانت هذه فرصة امام الاقتصاد اللبناني ليتلقفها ولاجتذاب الرساميل الهاربة من الدول التي تعاني من وطأة الازمات والثورات. كما انه في العام 2011 شهدنا عدة تداعيات محلية. بعدها اتت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ورافقها تشنج سياسي وتعقيدات قبل وبعد تشكيلها.
وكان من الطبيعي ان ينعكس ذلك شللاً في الاقتصاد. علما انه في تلك الفترة، بدأ بعض الدول العربية وسيما ما يقع منها في افريقيا الشمالية الدخول في ثورة تغيير الانظمة، فيما ان الشارع اللبناني كان يعيش الخضات المحلية الواحدة تلوى الاخرى. والى ذلك، لم يتمكن لبنان من اجتذاب السياح الذين غيرّوا وجهتهم السياحية في بلدان افريقيا الشمالية. فالاوضاع اللبنانية غير المستقرة دفعتهم الى قصد بلدان اخرى مثل دبي وتركيا. وانسحب الحال على رؤوس الاموال الخاصة التي كانت تبحث عن ملاذ آمن في كل من اوروبا واميركا. أذاً الشركات التي كانت تبحث عن وجهة في بلد ليكون مركزاً لاعمالها و لتحقيق مكاسبها المالية لم يكن لبنان على لائحتها بسبب البنى التحتية الضعيفة فيه، وغياب المناخ لاستثماري المناسب والمتوافر في غير بلدان مثل ابو ظبي ودبي والدوحة وغيرها...
ومع اندلاع الازمة السورية لم يستطع ايضا لبنان من تلقف اي فرصة ممكنة سيما وانه لا تتوافر فيه اي حوافز تشغيلية منخفضة ومناسبة لمعظم الصناعات السورية التي هربت من مناطق الاحداث الى الخارج،فضلا عن غيرها من التسهيلات التي تقدم عادة للمناطق الصناعية ،الى جانب معاناته من ضعف مزمن في شبكة الاتصالات والبنى التحتية مما كبّد الاقتصاد اللبناني المزيد من الخسائر. وقد اسفر هذا عن تراجع في النمو في الاقتصاد اللبناني الى 2% في 2011. واستمر الانحداروصولاً الى نمو 1،2% في 2012 و0،9% في 2013. وهذا انتج قيمةخسائر اقتصادية قدرت ب 9 مليارات و700مليون دولار
والمشكلة دائماً هي في الخلل الموجود في الاقتصاد اللبناني والذي لم يعمل على معالجته بجدية من قبل.
وعوض عن استقطاب تموضع الاقتصاد لتلقف الفرص وتحسين المناخ الاستثماري وتحضير بيئة الاعمال ،وتطوير القدرات،وتخفيف حاجة الدولة للاستدانة من اجل رفع تنافسية هذا الاقتصاد، دفعنا ثمن ضعف اقتصاد غير قادر على مواجهة واستيعاب الازمات الاقليمية والمحلية.
ومن المعلوم ان الاستثمارات الاجنبية المباشرة في لبنان قد تراجعت23% في 2013 قياساً على ما كانت عليه في 2012 اي ما يعادل مليارين و830 في 2013 وبنسبة 94% عن 2009.
هذا ماحصل للاسف فيما انه كان من المفترض ان تسّجل ارتفاعاً بفعل فوائض الاموال التي خرجت من البلدان العربية التي شهدت تقلبات في الانظمة السياسية والاقتصادية.
ولكن غياب المؤشرات التنافسية في الاقتصاد حال دون ذلك. ونقاط التراجع برزت بتراجع لبنان 12 مرتبة في مؤشر التنافسية الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي في 2014. كما تراجع 6مراكز في مؤشر سهولة الاعمال الصادر عن البنك الدولي.
وفي نيسان الفائت، حذّر صندوق النقد الدولي في بيان صحافي مفصّل من تراجع تنافسية الاقتصاد اللبناني ونصح بتطبيق الاصلاحات بسرعة لتلافي المزيد من التراجع.
اما اليوم، فمع مطلع العام شكّلت الحكومة وشهدنا بعض التحسّن في الوضع الامني ولكن ذلك لم يغيّر كثيرا في ديناميكية الاقتصاد اللبناني ومن ثقة المستهلك والمستثمر. فالنموالاقتصادي بلغ 0.7 والوضع تفاقم اكثر بفعل تراجع امكانية انتخاب رئيس للجمهورية واخشى ان نكون قد عدنا الى نقطة الصفر في ضوء الشلل السياسي وان نكون مستمرين في الفرص الضائعة، اذا ما ادخلنا التعديلات المناسبة على الاقتصاد اللبناني،وعملنا على تجنّب السياسات الضريبية الاعتباطية. واعتقد انه اذا لم نطبّق الاصلاحات سيظل الاقتصاد يشكو من نمو منخفض،من فرص ضائعة، ومن تراجع في عدد فرص العمل فضلا عن استمرار لهجرة الادمغة.
و نخشى ان يبقى النمو على 1،5% في 2014 اي على نفس مستويات ال 2011 اذا لن تكون هناك ارادة سياسية بنيوية لتطبيق الاصلاحات الضرورية والمّلحة.