غصّت عطلة نهاية الأسبوع الماضي بسلّة مفاوضات ونقاشات
يشهد مجلس النواب، يوم غد، فصلاً مهمّاً من المعركة الرامية إلى إدخال بعض الإصلاحات على النظام الضريبي غير العادل إطلاقاً. فإمّا أن ينتصر حق الناس وإمّا يستمر «تأليه»الريع وتقديس أصحاب الثروات
محمد وهبة - الأخبار
معركة «ضرائب السلسلة» ليست معركة عادية. البنود المطروحة على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب ليست عادية في مضامينها، بل تمثّل أحد المفاصل الأساسية التي ستطبع المرحلة المقبلة لجهة انحياز الكتل النيابية إلى أحد فريقين: الطبقة العاملة والطبقة الوسطى أو طبقة الأثرياء المنتفعين من الريع وأرباحه الهائلة.
وبحسب مصادر مقرّبة من وزير المال علي حسن خليل، فإن المعركة مستمرّة ضمن شقين: شقّ له علاقة بتأمين واردات السلسلة ولا يزال هناك الكثير من المقترحات في جعبة وزارة المال. وشقّ ثانٍ له علاقة بتأمين عمل إصلاحي وتصويبي في اتجاه «العدالة الاجتماعية» التي لم تعد مجرّد طرح نظري عن تعديل السياسات الضريبية، بل أصبحت مشروعاً عملياً على طاولة نواب لبنان، وعلى رأسه مشروع زيادة الضريبة على الفوائد المصرفية وإخضاع المصارف لها. وقد أكّدت مصادر وزارة المال أنها متمسّكة بمشروع زيادة الضريبة على الفوائد ولن تقدّم أي تعديلات عليه.
إذاً، هل تنتج المعركة إقراراً بأن هذه الضريبة هي أداة أساسية لإعادة توزيع جزء بسيط من الثروة، أم «يُدهس» اللبنانيون بفعل صلابة التحالف والتشارك بين تكتلات المصالح المصرفية والعقارية والتجارية وبين إقطاعيات السلطة؟
إزاء هذا السؤال، ثمة الكثير من المخاوف من أن يتحوّل موضوع التعديلات الضريبية التي تمثّل الخرق الأول المطلوب، إلى بند على جدول أعمال البازار السياسي بين الكتل السياسية. وما يعزّز هذه المخاوف، أن النائب وليد جنبلاط، بحسب مصادر مطلعة، لا يزال يمارس ضغوطاً من أجل تأجيل موضوع السلسلة وضرائبها إلى مرحلة لاحقة. وقد دخل على هذا الخطّ، أيضاً، رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي كان مسافراً، ويتردّد بين السياسيين أن السلسلة والتصدّي للضرائب المقترحة لتمويلها من الشركات والمصارف أصبحت شغله الشاغل طيلة نهاية الأسبوع الماضي.
غير أن الموقف «السياسي» لا يصبّ بالضرورة في هذا الاتجاه، بدليل أن عبارة رئيس مجلس النواب نبيه «إضرابكم كمن يطلق النار على رجلَيه»، والتي أطلقها تعليقاً على «هستيريا» المصارف عندما تبلّغت خبر إخضاعها لضريبة الفوائد، هي العبارة نفسها التي قالها له حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حديث هاتفي. ويستند بري الى دعم واضح من نواب كتلتَي حزب الله وميشال عون الذين أبلغوه أنهم سيصوتون مع أي اقتراح يتقدّم به. إلا أن تصريحات للنائب ياسين جابر أثارت القلق، إذ أعلن أن «حاكم مصرف لبنان وضع النواب في صورة أن الاقتصاد الوطني لا يستطيع أن يتحمل الدفع الى السوق جرعة بملياري دولار دفعة واحدة، وكذلك لا يستطيع أن يسحبها دفعة واحدة كضرائب، لذلك نصح بالتروي والتعقل والتفاهم بين الجميع». وهذا ما فُسّر على أنه بداية لتسويق تفاهم على تقسيط السلسلة وتجزئة الضرائب المقترحة وجدولتها على سنوات مقبلة.
علي حسن خليل سيقترح إخضاع الشقق الشاغرة للضريبة وشركات الهولدنغ والأوفشور
على خطّ أصحاب المصارف، فقد استكمل مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان الحملة التي بدأها الأسبوع الماضي، فزار وفد من الجمعية رئيس الجمهورية ميشال سليمان وقدّم له كتاباً يشرح فيه عدم قانونية إخضاع المصارف لضريبة الفوائد. كتاب الجمعية مبني على أساس أن العمل الأساسي للمصارف هو جني الفوائد، وأنها تدفع ضريبة على الأرباح، وبالتالي فإن إخضاعها لضريبة الفوائد يقع في موقع «الازدواج الضريبي».
ما لم تكتبه الجمعية في ورقتها المرفوعة إلى رئيس الجمهورية، هو أن وظيفتها الأساسية هي تسليف الاقتصاد الحقيقي، وليس دورها الوظيفي أن تصبح 70% من توظيفاتها في سندات الخزينة وشهادات الإيداع والودائع لدى مصرف لبنان، فيما هناك 30% موظّف في تسليف القطاع الخاص. واللافت أن المصارف تحصل على الدعم المستمر من خلال عمليات تعقيم السيولة التي يقوم بها مصرف لبنان في مقابل فوائد مرتفعة وربحيتها خيالية.
أما بالنسبة إلى الازدواج الضريبي، فالأفراد، على سبيل المثال يدفعون ضريبة الدخل عن رواتبهم وأجورهم، فيما يدفعون ضريبة الفوائد لو كانت لديهم إيداعات لدى المصارف، والمصارف تدفع ضريبة الدخل عن أرباحها، لكنها ترفض أن تدفع ضريبة الفوائد، والتهرّب من ضريبة ربح الفوائد لا يطال المصارف فقط بل كل الشركات، بما فيها الشركات التجارية أو غيرها، وبالتالي فإن حجّة أن الفوائد تقع في نطاق العمل الذي تتخصص به المصارف لا تدعمه إعفاءات الشركات المختلفة، وهو ما ينطبق على المنطق الذي تواجه به الشركات العقارية أي اقتراح لفرض ضريبة على الربح العقاري، إذ تتذرع بأنها تسدد ضريبة الدخل على الأرباح لتتهرّب من الضريبة المقترحة على أرباح مضارباتها على الأسعار.
في الواقع، إن المصارف تدّعي أنها تدفع ضريبة أرباح بقيمة 440 مليون دولار، لكن مصادر مطلعة تقول إن هذا المبلغ يتضمن المبالغ التي يدفعها المودعون عن حساباتهم المصرفية الخاضعة لضريبة الفوائد، وبالتالي، فإن الرقم الفعلي الذي تدفعه المصارف هو أقل بكثير. على أي حال، غصّت عطلة نهاية الأسبوع الماضي بسلّة مفاوضات ونقاشات متّصلة بالإجراءات الضريبية التي ستستعمل لتمويل كلفة سلسلة الرتب والرواتب. وقد تمحورت هذه المفاوضات حول عدد من البنود الضريبية المطروحة سابقاً مثل ضريبة الفوائد المصرفية وضريبة القيمة المضافة، فيما لا تزال في جعبة وزير المال علي حسن خليل مجموعة بنود غير مطروحة؛ أهمها إخضاع الشقق الشاغرة لضريبة، وزيادة السقف الضريبي على شركات الهولدنغ والأوفشور.
وبحسب المعطيات المتداولة، فإن اللجنة المشتركة بين وزارة المال وجمعية مصارف لبنان لم تصل إلى نتائج نهائية. ففي الاجتماع الأخير بين الوزير خليل ووفد جمعية المصارف، قرّر رئيس الجمعية فرنسوا باسيل إطلاق حملة تهويل واسعة على الوزير، معبّراً عن قلقه على «الاستقرار النقدي» ومن «هروب الودائع». ولم يطُل حديث باسيل كثيراً قبل أن ينفعل نائب رئيس الجمعية سعد الأزهري، مشيراً إلى أن إخضاع المصارف للضريبة على الفوائد ستكون له نتائج كارثية في لبنان... عندها قاطعهم وزير المال قائلاً: لا ضرورة للتهديد بالاستقرار النقدي الذي كان محور الحديث بيني وبين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة طيلة هذه الفترة، أما بالنسبة إلى هروب الودائع من لبنان، فهو أمر لا أفق له وخصوصاً أنه لا خيارات لهذه الودائع سوى البقاء في لبنان، وهذا الأمر ثابت في المناقشات بين وزارة المال ومصرف لبنان، وإذا أردتم أن تجرّبوا هذا الأمر فقوموا بذلك وهرّبوا ودائعكم من لبنان إذا كان ممكناً». وتابع خليل كلامه: «أما إذا كنتم تريدون النقاش في موضوع الضريبة، فنحن متمسكون بوجهة نظرنا القائمة على أساس أن هذه الضريبة هي ضرورية واللجوء إليها أمر مشروع... أما إذا كانت هناك تسوية تريدون النقاش فيها فنحن مستعدّون لذلك».
عند هذه النقطة، بدا الحديث مختلفاً، وانهمك المصرفيون بالحديث عن نتائج الضريبة على المصارف بصغيرها وكبيرها. وقد بات واضحاً من المعطيات المعروضة لدى وزارة المال، ومن النقاش الذي دار بين المصارف ووزير المال، أن ضريبة الفائدة التي ستدفعها المصارف لن تطال الجميع بمستوى واحد، فهناك الكثير من المصارف الصغيرة التي ليس لديها أي وظيفة سوى توظيف الودائع في سندات الخزينة وتحصيل أرباحها من هذه العمليات. كذلك، كان واضحاً أن بعض المصارف الكبيرة لديها توظيفات هائلة في سندات الخزينة تدفع أصحابها إلى الانفعال عندما يطرح موضوع الضريبة على الفوائد.