- النشرة -
بدأت مسيرتها الزوجية والدراسية في سنّ مبكرة، لكنها تمكّنت من التأقلم والتوفيق بين دورها كأم وزوجة وبين دروسها وعملها. واقترن اسمها ببطاقات الائتمان، اذ كانت مِن أول مَن أدخل هذا المفهوم الى المجتمع اللبناني، فأصبحت اليوم واحدة من الرائدات في المجال المصرفي في لبنان، واستطاعت أن تحفر اسمها محليا واقليميا، من خلال انجازات وجوائز شكلت حافزا، حثها على المزيد من التقدم. انها مديرة دائرة البطاقات وحلول الدفع الإلكترونيّة لمجموعة "عوده سرادار" رندة بدير، التي تحدثت مع "النشرة الاقتصادية" عن مسيرتها المهنية الطويلة والمليئة بالأحداث، وشرحت أهمية وجود المرأة في الحياة العائلية والاجتماعية والاقتصادية والعملية والسياسية.
- أخبرينا عن بداياتك الدراسية والعملية؟
تزوّجت في عمر السابعة عشرة، وكان شرطي الأساسي أن يتقبّل زوجي أن أتابع تحصيلي العلمي في الجامعة، خاصّةً وأنّني كنت طالبة مجتهدة ومتفوّقة. فالتحقت ببرنامج إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت. وعندما تخرّجت، كان لدي ابنتان، وبعدما كبرتا قليلا، قرّرت العودة لمتابعة علمي، فاقترح عليّ زوجي الحصول على شهادة الماجستير في علم الاجتماع كون هذا الاختصاص قريب من تربية الأولاد ويتناول الأمور الاجتماعيّة كافّة، لكنّني لم أنجذب إلى هذا المجال لأنّني كنت أميل نحو العلوم الحسابيّة أكثر.
من هنا بدأت مسيرتي المهنيّة، فقمت بمناقشة موضوع الماجستير الثاني في إدارة البنوك وكان عنوانها "دين الدولة العام". وقد جذب هذا العنوان عدداً من رجال المصارف والاقتصاد، وشاءت الصدفة أنّ أحدهم كان ينوي إجراء بحث ودراسة حول قانون بطاقة الائتمان التي لم يكن لها وجود في لبنان، فطلب منّي التعاون معه والتنسيق في هذا المشروع.
- كيف دخلت الى عالم المصارف وبطاقات الائتمان؟
بعد أن أنهيت أبحاثي حول بطاقة الائتمان، تسلّمت أحد المراكز الإداريّة في مصرف "فرنسبنك". وهنا بدأت رحلتي الطويلة والممتعة مع بطاقة الائتمان التي أعتبرها انطلاقة لي في عالم المصارف، وفي الوقت نفسه أماناً لي مع مرور الزمن والأيّام.
المصاعب كانت كثيرة وكبيرة، إنّما الإصرار ورفع التحدّي كانا أكبر منها. وعندما بدأت بطرح بطاقات الائتمان في السوق، تلقيت بعض الردود السلبية وغير المشجعة مع الأسف. لكننّي لم أصب باليأس لأنّني كنت مصمّمة على تحقيق الهدف الذي وضعته، وبدأ التجّار تباعاً يتقبلّون الفكرة الجديدة. وهكذا تحوّلت هذه البطاقة التي كان يعتبرها الناس في البداية مجرّد قطعة من البلاستيك، إلى عامل مهم وضروري، يشكّل ضمانة ماديّة لهم، سواء في مجال السفر أو التعليم أو التسوق أو العمل.
ومع نجاح بطاقة الائتمان وانتشارها بين الناس، أصبحتُ معروفة بخبرتي في هذا المجال. فكنت كلّما أقوم بإطلاق بطاقة ائتمان جديدة، يدفعني الحماس والطموح إلى إصدار أخرى وبمواصفات مختلفة.
بعدها انطلقت إلى العمل في "بنك عوده" الذي كان لديه استراتيجيّة تتوافق مع طموحاتي المستقبليّة وتشمل خطّة توسّعيّة إلى الأردن، سوريا، مصر، السودان، العراق وقطر.
ولم يقتصر نشاطي على المجال المصرفي فحسب، بل شغلت أيضاً مركزاً استشاريّاً ضمن شركة "Visa International" في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط. وفي العام 2000، وضعت خطّة إصدار بطاقات الائتمان في سوريا وعملت على تنفيذها، كما تم انتُخابي عضواً في مجلس إدارة "ماستر كارد" ولا أزال حتّى اليوم.
- ما هي الصعوبات المهنيّة التي صادفتها؟ وهل واجهت تمييزاً لمجرّد كونك امرأة؟
لا شك أنّني واجهت مشاكل وصعوبات خلال مسيرتي منها إدخال مفهوم بطاقات الائتمان إلى السوق في مراحله الاولى، وصعوبة ترويجها، وإقناع الناس بتقبّل هذه التكنولوجيا، اضافة الى المحافظة على مكانتي في هذا الحقل لمدّة 15 سنة، ومواجهة المنافسة القويّة في سوق البطاقات.
ومجال عملي يضعني دائماً في منصب أكون فيه مسؤولة عن عدد من الأشخاص وضمنه
م رجال، مما يشكّل لدي بعض المخاوف والارتباكات لأنّني امرأة. من هنا يأتي الجهد المضاعف لرسم وتطبيق علاقة سليمة مع الزملاء، وتثبيت موقعي وكفاءتي لتنفيذ مسؤوليّاتي الكاملة.
لكنني تحدّيت المصاعب والعقبات بفضل العزيمة قبل كلّ شيء، خاصّةً بفضل تشجيع زوجي الذي كان مؤمناً بي وبقدراتي.
- أخبرينا عن تجربتك خلال جائزة "Loyalty Leader of the Year".
لا بد من أن أعبّر عن امتناني واعتزازي لاختياري "رائدة برامج الولاء في الشرق الأوسط" خلال مؤتمر "Marketing Show – Middle East". فهذا الاختيار يأتي تقديراً لجهودي في ابتكار، ودعم وتطوير برامج وفاء جديدة في القطاع المصرفي والمالي في الشرق الأوسط. كما أنني كنت سّباقة بإدخال مفهوم برامج الولاء إلى القطاع المصرفي منذ العام 1993، حيث أرسيت فكرة مكافأة الزبون الوفي من خلال تصميم برامج ولاء متعدّدة، تعدّ من الأكثر ابتكاراً وفعاليّة في القطاع. وأطلقت أكثر من 5 برامج ولاء ترتكز على سلوك الزبون وأسلوب عيشه واهتماماته. كما أسّست قسم خدمة الزبائن إيماناً بأنّ تقديم الخدمة الممتازة للزبون كفيلة بنيل رضاه والحفاظ على وفائه، وبالتالي تعزيز الأعمال ومضاعفة الأرباح.
- ما الذي ساعدك على الوصول؟ وما هي الصفات التي تتمتّعين بها وساهمت في تقدّمك؟
لا شك في أنّ توفير فرص العلم للمرأة يساعد بشكل إيجابي وملحوظ على انفتاحها على العالم ونمو شخصيّتها وتوسيع آفاق تفكيرها ورفع مستوى أدائها التربوي والإجتماعي والمهني داخل الأسرة ووسط المجتمع وفي عالم العمل. وذلك كان أكثر ما ساعدني على التقدم، بالإضافة إلى أن قناعتي العميقة بعملي وإصراري على الوصول إلى هدفي كانا من العناصر الأساسيّة التي مكّنتني من تحقيق العديد من الإنجازات.
لكنني أعتقد أن العامل الأكثر فعاليّة لجهة التحفيز الشخصي هو العائلة. فقد لاقيت التشجيع من زوجي وأولادي وأهلي، وكانوا أهمّ مصدر ثقة وتشجيع على المزيد من الجهد والسعي الدؤوب في سبيل المزيد من المعرفة والترقي والنجاح.
واليوم، خبزي اليومي هو المواظبة على بثِّ روح التقدّم وسط مجتمعي البيتي ومجتمعي الوظيفي، وتكمن قوّتي في إيجاد توازن ما بين واجبات العمل وواجبات الأولاد بحيث لا يؤثّر أي عمل سلباً على الآخر. فأنا أم، وأخت، وزوجة، وصديقة وسيّدة أعمال. أنا امرأة عربيّة.
- ما هي مشاريعك المستقبليّة؟ وما الذي تطمحين إلى تحقيقه؟
لغاية اليوم أنا سعيدة بما أنجزته، لكننّي أعتبر أنّ هناك المزيد من الأهداف التي أطمح لإنجازها والافتخار بها. على الصعيد المهني، أطمح أن أكون عنصراً فعّالاً في الوصول إلى تحقيق الدولة الإلكترونيّة. وعلى الصعيد العائلي، سأكون فخورة أكثر عندما أرى بناتي يحقّقن أحلامهنّ المهنيّة والعلميّة ويتبوّأن أعلى المراكز.
- على صعيد حقوق المرأة، ما هي المعوقات برأيك التي تقف في طريق تقدّم المرأة اللبنانيّة؟
لا شك في أنّ المرأة تلعب دوراً أساسيّاً في الحياة العامّة والخاصّة. فهي أم، وأخت، وزوجة، وصديقة وسيّدة أعمال، ومن هنا تأتي مسؤوليّتها المضاعفة بالمقارنة مع الرجل.
كذلك تُعتبر المرأة عاملاً إقتصاديّاً هامّاً ومحرّكاً للنمو، ووجودها في المجتمع أساسي، لا بل ضروري. ومن دون شكّ أيضاً أنّ البلد يواجه تحدّياً ألا وهو تمكين المرأة خاصّةً في عالمَي الاقتصاد والسياسة حيث يعتبر دورها مهمّاً، إذ أنّ نمو القطاع الخاص يحتاج إلى تضامن جميع اللاعبين الفاعلين.
لذا، وبما أنّ المرأة تعتبر عاملاً إقتصاديّاً هامّاً، من ناحيتَي الاستهلاك والاستثمار، فإنّ تمكينها يشكّل مفتاحاً هامّاً لتفعيل الاقتصاد وتطويره. واليوم نلاحظ أنّ القطاعَين العام والخاص بالإجمال باتا يستقطبان عدداً أكبر من الموظّفات. وذلك يدلّ على التقدّم الذي يشهده لبنان ومستقبل المرأة الذي يتحسّن مع الوقت، آملين أن تتمركز أكثر في المجتمع وتتمكّن من أن تتولّى المناصب القياديّة العليا.
- ما هي التدابير التي يجب اتخاذها بهدف تحسين وضع المرأة؟
يجب على المجتمع أن يسلّح المرأة بفرص التعلّم والسفر التي من خلالها تتمكّن من التقدّم والانفتاح على العالم، والتي تساعدها على تنمية شخصيّتها وتوسيع آفاق تفكيرها ورفع مستوى أدائها التربوي داخل الأسرة والاجتماعي وسط المجتمع والمهني في عالم العمل.
كما يجب على المجتمع بأكمله وخاصّةً رجال الأعمال والسياسيين أن يعترف بمكانة وأهميّة المرأة في المجتمع، والعمل على دمجها أكثر في حياة هذا المجتمع بمختلف جوانبها وحمايتها
وتوفير كلّ ما يساهم في تقدّمها. ويبدأ ذلك في عالمَي الاقتصاد والسياسة من خلال اعتماد مفهوم تمكين المرأة بجميع مندرجاته الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والقانونيّة.
- ما رأيك بالتقدّم الذي حقّقته المرأة في لبنان على صعيد الحقوق؟
حتّى اليوم، نلاحظ أنّ المرأة اللبنانيّة، رغم كلّ التقدم والتطوّر الذي تعيشه، ما زالت حقوقها ناقصة ولا تتناسب مع منصبها في عالم الأعمال والمجتمع والعائلة. من المحزن القول أنّ المرأة اللبنانيّة المتزوّجة من أجنبي لا تستطيع أن تعطي أولادها الجنسيّة اللبنانيّة، بالإضافة إلى ذلك، نلاحظ أنّ بعض المناصب العليا لا تزال حكراً على الرجل، مثل مركز مدير تنفيذي في المصارف ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى معظم الوظائف والمراكز السياسيّة.
فالمرأة لديها القدرة على القيام بمهام متعدّدة، وهي تضاهي بذلك الرجل بل تفوقه أحياناً، وتلك القدرة تمنحها الفرصة لتكون دائما في المقدّمةً، ولأن تبرز في كلّ المجالات.
- هل لديك أي طموح سياسي؟
بالتأكيد لديّ طموح سياسي وأؤيّد تسلّم المرأة أعلى مقاليد السلطة السياسيّة. فتسلّم المنصب السياسي لا يقتصر فقط على جنس الشخص، بل على كفاءاته. وكلّ انسان قادر وله الصفات الفريدة، والكفاءات اللازمة لتنفيذ مسؤوليّات هذا المنصب عليه أن يحتلّه.
وبالشكل، يمكنني التأكيد أنّ النجاح يحقّق على قدر الكفاءات والعلم والمثابرة. ومن أهمّ مشاكل المجتمع العربي الاعتقاد الخاطئ بأنّ قدرات المرأة أقلّ من قدرات الرجل من الناحية الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة والذهنيّة، وهذا الاعتقاد كان سبباً في جعل مكانة المرأة الاجتماعيّة أدنى من مكانة الرجل العربي. مع ذلك، طرأت مؤخّراً بعض التطوّرات الإيجابيّة في هذا الصدد من خلال التركيز على دعم وتفعيل دور المرأة في الاقتصاد ودمجها في مسيرة التنمية والنهضة في مجتمعها، والمناداة بمشاركتها في الحياة العامّة بجميع أشكالها، ولا سيّما السياسيّة، وأنا على يقين أنّه بإمكان المرأة العربيّة أن تقدّم نظرة جديدة وأفكاراً نيّرة لمعالجة الأوضاع السياسيّة والمشاكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي نواجهها في بلداننا.
- ما هي النصيحة التي تقدمينها إلى المرأة؟
أنصح المرأة بأن تسعى دائماً إلى تحقيق المعادلة بين العائلة والعمل، بين تثقيف ذاتها والمحافظة على حسن مظهرها. كما أنصحها بأن تتحصّن بالعلم والمعرفة وأن لا تقف عند حدّ معيّن، بحيث تكون طموحة ومقتنعة بأن المعارف والخبرات والجهد هي التي تثبّت مركزها في المجتمع وليس كونها زوجة فلان أو إبنة فلان.
والأهمّ من ذلك أن تكون مقتنعة بذاتها كي تقنع الآخرين بشخصها، وتستطيع أن تتألّق في مختلف المجالات.