كوثر حنبوري
"العمل في القطاع العام خفف من طموحي وهدنّي"، لانني شهدت كم هناك تضييع للوقت في لبنان،بمعنى ان الإنتاجية في القطاع العام هي أقل 10% مما يجب أن تكون عليه.هذا ما اكده وزير السياحة في حكومة تصريف الاعمال فادي عبود في حديث خاص للنشرة الاقتصادية معتبرا تجربته في القطاع العام "الاسوأ في حياته" خصوصا ان العمل في القطاع العام يعود الشخص على الخمول، والإبتزاز، وهذا بعيد عن رؤيته و طريقة تفكيريه.
لذا هو الصناعي الذي تربطه بالصناعة حكاية حب وشغف "منذ صغري كنت دائما أحب أن اعرف كيف تتم صناعة الاشياء"يأبى الاستمرار في الوزارة اذا لم يكن قادرا مع فريقه على الوصول الى الإصلاح والتغيير.وهو المدرك طبعا "لحجم الفساد الموجود في المجتمع اللبناني والذي يعيق إنشاء مجتمع حديث وقادر أن يؤمن حياة كريمة للناس".
اما طموح فادي عبود " ان نصل الى يوم لا يكون جواز سفر هذا البلد من أسوأ 10 جوازات في العالم!
حوار النشرة الاقتصادية مع الوزير عبود تركز حول تجربته في السياحة والصناعة كصناعي بالاساس ورئيس لجمعية الصناعيين واسباب توجهه اليها مع العلم ان كثيرين يعتبرونها مغامرة في لبنان مع تحليل لاسباب النجاح عموما واسبابه في لبنان التي يراها مختلفة عن الشروط والمعايير العالمية.
- كيف تحلل أسباب النجاح؟ وما المقومات التي يجب أن تكون موجودة ومتوافرة في الشخص للنجاح بحسب تجربتك؟
النجاح له شروط عالمية، وله شروط خاصة مختلفة في لبنان، بالنسبة للشروط العالمية يجب أن يكون لدى الشخص الشغف في ملاحقة الأمور بشكل متواصل ويومي، ولكن في لبنان يجب على الشخص ملاحقة أعماله دقيقة بدقيقة لأن العقلية في لبنان أصبحت وكأن دائما لا شيء يدعو الى العجلة، ويمكن للأمور أن تأخذ وقتها، وبالتالي هناك ضرورة قصوى للإصرار، وهو سر النجاح في لبنان، وللحظ والذكاء أيضا دور اساسي ، ولكن بدون الذكاء لا يستطيع الإنسان أن يستغل الحظ الجيد الذي يحالفه، ففي بعض الأوقات يأتي الحظ أو الفرصة ولكن الإنسان لا يستطيع استغلالها ان لم يكون ذكي، فالذكاء يلعب الدور الاكبر.
وهناك سر أساسي من أسرار النجاح هو المجهود، ومما لا شك فيه ان الإنسان الكسول ليس لديه دور ليلعبه في هذا العالم الذي أصبح فيه الكثير من المنافسة والتسابق، فالجهد له دور أساسي. فالإصرار والجهد هما نتيجتين للإيمان بالعمل الذي يعمل به ونيجة لثقته بنفسه وبانه قادر على النجاح.
أعتقد أن هذه هي شروط النجاح الأساسية.
واقول لك ان الشروط تتغير في لبنان اقصد مثلا على سبيل المثال في لبنان اذا أردت أن تدخلي بضاعتك من المرفأ سيتطلب الامر اسبوع من الوقت ، ولكي تجلبي كهرباء او تلفون الى المؤسسة الخاصة بك يجدر بك الانتظار لاشهر وبالتالي فان العمل في هذا البلد صعب.
اضف الى ذلك اننا في لبنان لا نعرف كيف نتعامل مع القوانين وهذا ما شهدناه مؤخرا والامثلة كثيرة :قانون منع التدخين أو التكلم على الهاتف أثناء القيادة أو قيادة الدراجات بدون خوذة الأمان الخ...... وكل هذا يجعل من الأمور في لبنان صعبة جدا للوصول، فكل هذه الأشياء يجب معالجتها للوصول.
- هل من الضروري أن يكون للشخص ميراث او رأسمال مادي معين لينطلق منه ؟ أم انه يستطيع لوحده ان يبدأ من الصفر و ان ينجح ويصبح غنيا ماذا تخبرنا من خلال تجربتك ؟
طبعا الذي يرث المال ليس لديه أي فضل، وتابع متهكما: "هناك طريق أسهل للنجاح وهو أن يكون لديك اتصالات مع أصدقاء وجهات مسؤولة أو لديهم سلطة، ومن ثم يمكنك افتتاح مؤسسة أو معمل وتمنعين استيراد هذا الصنف الذي تصنعه من خلال علاقاتك بهؤلاء الناس، وهذه امور تساعد في النجاح بسرعة، وهذا أمر غير مشروع طبعا".
- كم تعطي اهمية لعمل الفريق وهل برأيك هذا اهم ما ينقصنا في لبنان كي نتقدم ؟
بالتأكيد الأهم في العمل هو عمل الفريق، وأحسن مثال على ذلك لنا كللبنانيين إذا أردنا النجاح والتقدم، هو ان نتطلع الى الجزيرة الصغرة في أسيا اقصد سنغافورة، التي هي من 50 أو 60 سنة كانت مستنقعات، وماليزيا أعطتها لأهلها بعد ان طلبوا الإنضمام الى ماليزيا وهي رفضت، سكانها مزيج من أصول صينية وهندية وماليزية، وبالتالي كل شيء فيها كان ضد إنشاء دولة ناجحة، ولكن يوجد في سينغافورة اليوم اعلى دخل فردي في العالم، وهي من انجح الدول في العالم، ونظام التعليم فيها يعد من أنجح الانظمة في العالم، وكذلك النظام المصرفي من الافضل ، وقد أثبتت أن إثنيات مختلفة وليس فقط أديان مختلفة استطاعوا بناء دولة ناجحة، وبالتالي أتصور أن الإيمان بالقدرة على النجاح هو أساس النجاح.
وتجربة سنغافورة تثبت بأن حتى لو كان الشخص قوي ولديه قدرة تفكير وحلم وبعد نظر، لا يستطيع تنفيذ شيء ان لم يكن هناك فريق عمل الى جانبه ، ففريق العمل هو أساسي جدا، وهنا نجد رئيس سنغافورة نجح لأن كان هناك فريق عمل ساعده ، وبالطبع هذا الشيء الذي ينقصنا في لبنان، خصوصا أنه ليس لدينا حكم الحزب الواحد، لذلك يجب أن يكون لدينا فريق من كل التيارات والأحزاب وأن يكون هذا الفريق مؤمن بمحاربة الفساد، ومؤمن بالشفافية ومؤمن ببناء مجتمع، وإذا لم يكن هناك عمل كفريق فأنا أستبعد ان يتم الإصلاح في لبنان، وكما قلت يجب على الفريق أن يتخطى الطوائف ويعبر المذاهب والأحزاب.
- هل تجد علاقة ما بين الدراسة الأكاديمية والإختصاص بالنجاح؟
الإختصاص لا يعني حكما النجاح، بمعنى أن الجامعة تفتح الأبواب أمامك لكي تعرفي من أين تحصلين على المعرفة، وتمرن عقلك حتى يصبح التفكير لديك علميا، وطبعا للإختصاص أهمية ولكن ليس هو سر النجاح والمقصود التعليم الأكاديمي، وهناك ألاف الأمثلة عن أشخاص لم يكن لديهم المستوى العلمي الكبير ولكنهم تمكنوا من النجاح، وكانوا قادرين على الإستيعاب،برأيي ان الامور اليوم صارت اسهل ونحن نعيش في عصر عولمة المعرفة، اذ انك في أي موضوع تريدين معرفته يمكنك الوصول اليه إذا كنت تعرفين من أين يجب أن تبدأي، فمن خلال الإنترنت يمكن الحصول عن المعلومات التي تطلبيها عن أي مشروع تجاري أو صناعي.
فاليوم الأمور أصبحت أسهل خاصة مع الإتصالات التي تربطك بأي مكان في العالم بسرعة رهيبة.
- لماذا كان توجهك الى القطاع الصناعي؟خصوصا انه ليس القطاع المعروف بتحقيق الثروات من خلاله؟
هناك سببان ، الأول هو أن عائلتي كانت "صناعية" وكان لدينا صناعة في أفريقيا، وأيضا كان لدينا الصناعة ذاتها في لبنان، وهذا عندما تخرجت من المدرسة في السبعينات، وبالتالي كان الدور ميراثي، ومنذ صغري كنت دائما أحب أن اعرف كيف تتم صناعة الاشياء، لذلك هناك قصة حب بيني وبين الصناعة.
- لكن كثيرون يعتبرون الصناعة بمثابة مغامرة في لبنان ما رأيك؟
طبعا هذا صحيح، لأن الإتجاه في لبنان إجمالا، ليس صديق للصناعة.
• تجربتي في القطاع العام الاسوأ في حياتي
- برأيك هل حققت لك الوزارة طموحك؟
حتما لا، يمكن القول ان الوزارة علمتني طول البال، لأني كنت أريد تحقيق الأمور بسرعة، فالوزارة علمتني الى حد ما طول البال، ولكن العمل بالقطاع العام خفف من طموحي وهدنّي، كما أني رأيت كم هناك تضييع الوقت في لبنان، أي الإنتاجية في القطاع العام هي أقل 10% من ما يجب أن تكون عليه، وفي هذه الوزارة أنا أعتقد انه لو إقتصر فريق عملي على 10% من الموظفين لكانت إنتاجيتنا أفضل في الشأن الإداري.
أي الخلاصة أن تجربة القطاع العام كانت أسوأ تجربة في حياتي.
- هل تطمح الى الإستمرار في القطاع العام؟
أنا أطمح الى الإستمرار إذا كنت قادر على الإصلاح والتقدم، ولكن إن لم أستطع ذلك فحتما لن أكمل، وهذا القطاع في لبنان يعود الشخص على الخمول، والإبتزاز، وهذا بعيد عن رؤيتي وبعيد عن طريقة تفكيري.
- ألا تتوقع بأنه يمكنك التغيير في الوزارة؟
تكلمنا منذ قليل عن قوة فريق العمل، وأنا جزء فقط من التكتل الذي أنتمي إليه، والتغيير يجب ان يأتي من خلال العمل الجماعي أو عمل الفريق، لأن فريق العمل المتكامل هو الذي سيكون له الحظ الأوفر في الوصول الى الإصلاح والتغيير. وأنا إذا اردت ان اكمل في هذا القطاع يجب ان نكون قادرين على الوصول الى الإصلاح والتغيير.
- ما هي أهدافك في حال عدم إكمالك في الوزارة؟
أنا أحب ان يكون لدي دور في التشريع والنيابة ولكن هذا الموضوع ليس هدف بحد ذاته، ولكنه يصبح هدف في حال كان سيوصلنا الى تغيير بالمجتمع اللبناني، لأني مقتنع بأن اذا التغيير لم يتم فلبنان سيندثر ويختفي.
فحجم الفساد الموجود في المجتمع اللبناني لا يسمح بإنشاء مجتمع حديث وقادر أن يؤمن حياة كريمة للناس، وبالتالي إن لم يقضي القضاء على القسم الأكبر من الفساد والرشاوى والسرقات التي تحصل فنحن لسنا بإتجاه بناء مجتمع لديه مستقبل.
فهذا المجتمع بأمراضه الطائفية والمذهبية وحجم الفساد الذي يوجد فيه هو أشبه بشخص محكوم بالإعدام، وإذا لم نستطع إنعاشه وإنقاذه من حكم الإعدام فهو لن يستطيع أن يكمل.
- يقولون البعض أن غلطتنا في الإقتصاد اللبناني هو الإتكال فقط على السياحة والخدمات وعدم إعطاء الأهمية لباقي القطاعات، هل توافق على هذه النظرية؟
نعم ولكن ليست هذه هي الغلطة المميتة، فاليوم إقتصاد السوق يصلح نفسه بنفسه، لكن الخطأ الكبير هو حجم الفساد وعدم وجود الشفافية وعدم وضوح مصير المال العام، هنا المشكلة الكبرى، والباقي يمكن إصلاحه عندما يتوقف الهدر وسرقة المال والرشوة والفساد.
• طموحي ان نصل ليوم لا يكون جواز سفر هذا البلد من أسوأ 10 جوازات في العالم!
- ما هو طموحك؟
أكثر شيء أطمح إليه هو أن نصل الى يوم لا يكون جواز سفر هذا البلد من أسوأ 10 جوازات في العالم، وأن نصل الى مكان لا يذكر فيه العالم كله حرب الشوارع والميليشيات في بيروت، لأن هذا الشيء يدمي قلبي.
وطموحي هو ان يرجع لبنان الى المكان الصحيح وان يكون دولة من الدول التي لها دورها في الإنسانية والحضارة، وأن يتذكر العالم لبنان بأنه البلد الذي صدّر الحرف الى العالم وليس بلد الحرب والصراع.
ونحن اليوم نتمنى أن نقدر على إسترجاع دور لبنان الأساسي كمجتمع يعطي النور الى العالم وليس كمجتمع يكون أساس للتعصب والمذهبية والطائفية، فالمفروض أن يكون لبنان دولة الرسالة، رسالة الإنفتاح والمحبة والحضارة.
-وزير السياحة فادي عبود
•تلقى تعليمة الابتدائي في "مدرسة سان جوزف" بقرنة شهوان، بينما تلقى تعليمة الثانوي في "مدرسة الشويفات الدولية". وأخذ تحصيلة الجامعي في جامعة ويستمنستر في لندن بتخصص الاقتصاد والإنماء.
• يرأس عدد من الشركات، حيث إنه رئيس مجلس إدارة "معمل جي بي آي للصناعات البلاستيكية" منذ عام 1982، كما إنه مدير عام "بلاستيك إنجنرينغ بروجكتس" في لندن، وأيضًا يدير شركة "جنرال ماشينز أند ميتال بروسسنغ". كما إنه رئيس مجلس إدارة "شركة النعص للمأكولات".
• في عام 2002 انتخب رئيسًا "لجمعية الصناعيين اللبنانيين"، وأعيد انتخابه لمرة ثانية في عام 2006 لدورة أخرى انتهت بعام 2010.
• هو عضو في المجلس التنفيذي للرابطة المارونية ورئيس اللجنة الاقتصادية فيها، كما إنه رئيس "جمعية أخضر دايم" العاملة في المجال البيئي، كما إنه عضو في غرفة التجارة الأمريكية - اللبنانية، وعضو في غرفة التجارة الدولية.
• في 9 تشرين الثاني 2009 عين وزيرًا للسياحة في حكومة الرئيس سعد الدين الحريري بعهد الرئيس ميشال سليمان، وفي 13 حزيران 2011 أعيد تعيينه بنفس المنصب وذلك في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعهد الرئيس ميشال سليمان.