الباحث الإقتصادي أديب طعمة في حوار مع «الديار» : الطبقة السياسيّة هي التي أوصلتنا الى هذا الوضع الكارثي لتشكيل هيئات مُضادة تضع المواطن في محور عملها
اعتبر الباحث الاقتصادي والمحامي اديب طعمة في حوار مع «الديار» ان الطبقة السياسية الحالية هي التي اوصلتنا الى الممأزق الذي نعيشه حالياً، ودعا لانشاء هيئات مضادة يكون لديها الجرأة لطرح المسائل التي لطالما كانت محظورة في لبنان، كإعادة النظر في طبيعة الديّن وعمليات الاستحواذ على المرافئ العامة من قبل القطاع الخاص الخ ... وحدد طعمة ضرورة وعي خطورة الوضع الاقتصادي ووجوب الاتيان بمشروع بديل على مستوى الوطن قبل فوات الاوان.
حاوره حنا ايوب - الديار
* كيف ترى الوضع الاقتصادي في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها؟
- يجب ادراك خطورة الوضع الاقتصادي. لبنان الييوم في مأزق تاريخي لم يعرف له مثيل من قبل وذلك منذ تاريخ بداية الحرب الاهلية. وبالرغم من خطورة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي والامني وتدهور مكانة لبنان على الصعيد الدولي ما زالت القوى السياسية تلهي الناس بمسائل اخرى لكيلا نكترث لحقيقة الوضع الاقتصادي الكارثي. والطبقة السياسية بكل مكوناتها هي التي أوصلتنا الى هذا الوضع وهي المسؤولة عن الكارثة الاتية.
* وكيف يتصرف الناس في هذا الوقت؟
- نشعر ونتكلم عن الازمة، لكن نتجاهلها ولا نريد ان نغير فيها شيئا في حياتنا. نخلط عمدا الكلمات ونسمي الاستسلام للواقع مناعة ونتفاخر بمناعتنا. وهذه ردة فعل طبيعية لمواجهة واقع لم نكن نتوقعه ولا نريد قبوله. نتكلم عن محاربة الامتيازات مثلا ولا احد يقبل التخلي عن امتيازاته مهما كان حجمها وحتى لو كانت دون قيمة على كل المستويات. كل واحد منا يلعب ما يسمى بلعبة القمار الكاذب وهو يحمل في يديه اوراقاً دون قيمة لكنه يسترها ويوهم الاخرين أنه الاقوى... وساعة الحسم تقترب اكثر فاكثر. ومع مرور الوقت تنكشف حقيقة كل واحد وتتكاثر حالات الافلاس، ومعها يضيق هامش حركة الخداع لباقي اللاعبين... وفي النهاية، تأتي المصارف وتضع يدها على كل شيء ليتبين ان قيمة «كل شيء»، عندما تتوقف لعبة الخداع، لا تساوي شيئا وهي اقل بكثير من القيم التي كانت متداولة. وتضطر المصارف حينها الى عكس هذه القيمة المتدنية في ميزانيتها... هذا بالملخص نبذة عما يمكن ان يحصل....
* تبدو متشائما جدا في وصف الواقع الاقتصادي الحالي، فما هي الحلول الواجب اتخاذها؟
- لست بالضرورة متشائماً. بالعكس اني ارى ان لبنان لأول مرة سوف يضطر ان ينخرط في الحركات العالمية السائدة المتمثلة بثورة الطبقات الوسطى ومكافحة ازدياد عدم المساواة بين الاقلية المسيطرة والاكثرية الساحقة ومقاومة الطبقة السياسية السيئة وديكتاتورية الاسواق المالية والمحافظة على البيئة في كل انحاء العالم وضرورة ايجاد سياسات ومشاريع بديلة. ولم يعد لبنان قادرا على ان ينطوي على نفسه ويقنع نفسه بأنه مختلف... ولا بد كخطوة اولى ان ننقل قدر المستطاع خطورة الوضع الى المواطنين لكي يستيقظوا ويتصرفوا قبل فوات الاوان... من المؤكد ان المواطن الذي يهلك تحت وطأة متطلبات الحياة اليومية ليس لديه الوقت كي يفكر او ان يغير شيئاً لكن على الاقل ليستمع الى خطاب مختلف ربما لن يعاود انتخاب نفسهم الاشخاص، الذين أوصلوه الى هذا الوضع المأساوي.
لا يمكننا ان نردد ونتباهى على مدار السنوات بأن اقتصادنا معجزة واننا نعيش في معجزة اقتصادية وفجأة نردد اننا ننتظر معجزة لإنقاذ هذا الاقتصاد. اذا كان النموذج الذي اتبعناه قد أوصلنا الى هنا، فهذا يعني ان النموذج خاطئ او غير كامل ويجب تغييره او تصحيحه او استبداله بنموذج اخر للتكيف مع التغييرات الاقتصادية والاستراتيجية التي تحصل في العالم وهذا هو سر نجاح المؤسسات والبلاد التي تدوم. هذا النموذج الناجح مبني على القدرة على التكيف مع المتغيرات وعلى استيعاب العامل غير المتوقع.
* ماذا يعني العامل غير المتوقع؟
- العامل غير المتوقع يمكن تفسيره في قصة الدجاجة التي يعلفها الانسان كل يوم، فهي تظن انه يحبها وانه لا يمكن ان يؤذيها. وهي لا تتوقع انه يوما سيأتي ليذبحها ويأكلها. والعامل غير المتوقع يمكن ان يكون سلبيا كالحرب في جنوب لبنان مثلا او ايجابيا كالتقارب بين اميركا وايران.
التأقلم مع العامل غير المتوقع هو احدى ميزات الانسان اللبناني. مثلا التصميم والاشراف على تطوير حي كبير في مدينة بوردو الفرنسية يعرف بحي برازا في اطار مشروع يقضي بتطوير وتوسيع المدينة لأفق 2030، تم اختيار مهندس معماري لبناني هو المهندس يوسف طعمة. وبحسب السلطات الفرنسية، بالاضافة الى مؤهلاته الشخصية، كان السبب الحاسم لاختياره انه لبناني وكونه لبنانيا «يمكنه ان يبتكر حلولا جديدة للتكيف مع العامل غير المتوقع» في ظل الازمة المالية والاقتصادية والاجتماعية الحادة.
فاذا كان اللبناني في نظر الخارج قادراً على خلق نموذج لاستيعاب العامل غير المتوقع خارج وطنه، فلماذا لا يمكنه خلق هذا النموذج في وطنه؟ هل هناك نظام معين يمنع ذلك للحفاظ على مصالح خاصة او لأنه لا يوجد نظام ونعيش في شريعة الغاب؟
اذا كنا نعيش في شريعة الغاب فعلينا اذن ان نتوقع كل الانحرافات الحيوانية والوحشية التي نشهدها مؤخرا.. وهذا موضوع اساسي يجب طرحه، ومن خلاله اعادة التأكيد على القيم التي تجمعنا ويمكن تلخيصها بثلاث اساسية وهي الحرية والمساواة وروح الأخوة ومنها تنبثق كل القيم والمبادئ الباقية كحرية الرأي والمعتقد وحكم القانون ومحاربة الريوع والفساد وعدم حماية وتغطية المجرمين (من قبل السلطات السياسية والقضائية) والعمل على تحقيق مشروع على مستوى الوطن يعطي حلما وطموحا جديدا للبنانيين ويشجعهم على النضال في وطنهم لتحقيق ذاتهم بدلاً من الهجرة الى الخارج او فقدان هويتهم في احزاب وجماعات متطرفة مر عليها الزمن او اللجوء الى الانعزال واليأس...
* في رأيك لماذا وصلنا الى هذه الاوضاع الاقتصادية التي تؤثر في حياة المواطن سلبا؟
- لأن مرحلة ما بعد الحرب لم تكن الا صورة مزيفة عن المراحل التي سبقتها وقامت لغاية اندلاع الحرب في سوريا على تفاهم بين سلطة السلاح وسلطة المال والذي يعكس على المستوى المحلي التفاهم بين ايران والسعودية. نتيجة هذا التفاهم كان السلاح والمال يتدفقان الى لبنان بكثافة وبكلفة عالية فانقسم لبنان الى لبنان الرسمي الذي جرى نهبه من قبل سلطة المال ومن يدور في فلكها من القوى السياسية ولبنان غير الرسمي الذي تمت السيطرة عليه من قبل سلطة السلاح ومن يدور في فلكها من القوى السياسية. وانفجر هذا التفاهم مع انفجار الخلاف بين السعودية وايران وتفاقم مع التدخل العسكري المباشر لايران في الحرب في سوريا الذي تم الرد عليه بعقوبات مالية على لبنان تتمثل بالتشدد برصد مصادر التدفقات النقدية الى المصارف اللبنانية والحد من استيعاب المهاجرين اللبنانيين في الاسواق الخليجية وتعليق الاستثمارات الخليجية في القطاع العقاري اللبناني ومنع الرعايا الخليجيين من المجيء الى لبنان.
يعني هناك خيار سعودي وخيار ايراني يتصارعان على نطاق المنطقة في ظل كباش ايراني غربي يتعلق بالبرنامج النووي الايراني وبدلا من ايجاد خيار لبناني ليس فقط ليحمي لبنان من هذا الصراع الذي سوف يطول لعقود بل لجعله ينتفع منه للنهوض باقتصاده من جديد جرى تغييب الخيار اللبناني من قبل الطبقة السياسية ووقعنا في المأزق.
* ما هو المأزق؟
- المأزق هو اننا كمواطنين نحلم بتوحيد السلاح تحت مظلة الجيش، لكن نخشى عواقب ذلك لاننا اصبحنا نخشى التطرف الاسلامي والفلتان الامني اكثر من كل شيء آخر ومن جهة ثانية نحلم بالتخلص من وطأة وثقل سلطة المال علينا وفي الوقت نفسه نتوقع ان انهيارها لن يعني سوى انهيارنا...
المأزق هو اننا رهنية سلطتي السلاح والمال واننا نحلم بالتغيير، لكن بالواقع لا نريد تغيير شيء لأن الذين يسيطرون علينا بالسلاح وبالمال يقنعوننا بأننا لا يمكننا ان نغير شيئاً وليس هناك بديل.
لكن، وهنا العامل غير المتوقع، هاتان السلطتان اصبحتا في طور الاهتراء وانهما تفقدان بسرعة ادوات سيطرتهما علينا واصبح بعضها يأكل البعض الاخر. وهنا لا بد من ظهور سلطات مضادة من ضمن القوة السياسية والاقتصادية ومن خارجها تأخذ بزمام الأمور وتبدأ بطرح الاسئلة الرئيسية كـ: هل نريد ان نعيش معا ام لا؟ هل نريد مشروعاً يجمعنا ضمن حدود معينة ام لا؟ هل نريد دولة؟ دولة مدنية كما هي مطروحة في الدستور تحترم حرية المعتقد والدين لكل الطوائف وتحترم شرعة حقوق الانسان كل الحقوق الاساسية التي تنبثق منها؟ هل نريد جيشا يحمي الحدود والامن في الداخل؟ اي اقتصاد نريد؟ اقتصاد مقفل وجامد او اقتصاد متحرك يتكيف مع التغيرات... وتحدد التحديات الاساسية كمحاربة الريوع والامتيازات والحفاظ على البيئة وتحويل النموذج الاقتصادي بجعل المال يخدم الاقتصاد وليس العكس وجعل الاقتصاد مبنياً على الانتاج وليس على السمسرة... ويكون لديها الجرأة بطرح المسائل التي طالما كانت محظورة مثل عدم المساواة الاجتماعية كأساس المأزق الدائم في لبنان وإعادة النظر في طبيعة الدين وبالوضع القانوني لموظفي الدولة وبعمليات الاستحواذ على المرافق العامة من قبل القطاع الخاص وبمكانة المواطن كأساس السلطة والممول الرئيسي لكل السلطات العامة عبر دفعه الضرائب وفوائد الديون واحترام حقوقه كانسان على اختلاف طائفته ومذهبه وجنسه وميوله أو طبقته الاجتماعية.
بعد ان كان المال والسلاح هما محور السياسة حان الوقت لأن يصبح المواطن هو محورها.
التعليقات (0)