الركود العقاري استراحة مُحارب أم استكانة مُتحفّز أسعار المكاتب لم تتزحزح والطلب رهن رغبة المستأجر وحاجة المُؤجّر
مارون حداد - الديار
ما زالت الحركة العقارية في لبنان تميل نحو الركود بفعل تراجع نسبي في الطلب من دون ان يرافقه تكيف في العرض، ولا تراجع في الاسعار وكأن المستثمرين والمطورين يعتبرون هذه الفترة بمثابة استراحة المحارب بين طفرتين، طفرة التصحيح التي شهدتها السنوات القليلة الماضية والطفرة المقبلة المرجح حصولها في ضوء توافر الظروف التي ادت الى الطفرة الاولى، او كأن الراغبين في الشراء ينتظرون تراجعاً في الاسعار يوازي التراجع في الطلب.
ويستدل على الركود العقاري من تراجع مساحات البناء المرخص بها لدى نقابتي المهندسين في بيروت والشمال من 1260 الف متر مربع في شباط 2012 الى 1080 الف متر في شباط 2013، و750 الف متر مربع في الشهر الاول من العام الحالي، وبذلك تكون مساحات البناء قد سجلت تراجعاً بنسبة 17% في الشهرين الاولين من العام 2013، بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2012.
وتراجعت قيمة الرسوم العقارية المستوفاة عبر مختلف امانات السجل العقاري الى 43.6 مليار ليرة في شهر شباط من العام الحالي من 69.6 ملياراً في شباط 2012 وبذلك تكون هذه الرسوم قد تراجعت بنسبة 28.9% في الشهرين الاولين من 2013 بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي.
اما كميات الاسمنت المسلمة فقد سجلت ارتفاعاً من 321 الف طن في شباط 2012 الى 359 الف طن في شباط 2013، وعلى مدى الشهرين الاولين من العام الحالي تكون الكميات المسلمة قد ارتفعت بنسبة 18.6% عن الفترة المماثلة من العام الماضي، ويعود قسم كبير من هذه الكميات الى التصدير وليس الى الاستهلاك المحلي.
ومن الطبيعي ان ينسحب ركود الطلب على الوحدات السكنية ركود طلب على المكاتب التجارية في ظل تلبد الاجواء السياسية والامنية وهشاشتها محلياً واقليمياً، والتي ادت وتؤدي الي تأثر سوق العقار التجاري بحذر الشركات وترقبها.
وبالاجمال، يرى احد اصحاب المكاتب العقارية ان السوق يعاني من ضعف بالرغم من بعض الاستثناءات. ولا يبدو ان العام 2013 سيشكل الانفراج المنتظر. ولا شك في ان ضعف الطلب المحلي، وضعف رغبة الاجانب في استئجار مكاتب في بيروت وضعا قطاع البناء التجاري او قطاع المكاتب في وضع حساس. فالشركات لم تعد راغبة في الاستئجار بأي ثمن، والتفاوض يأخذ مداه في جو من الاخذ والرد، سواء حصل هذا التفاوض في وسط بيروت، او في الاشرفية، او في رأس بيروت.
ويمكن القول ان الاسعار المطروحة للمكاتب تكاد تكون مستقرة، لكن ذلك لا يلغي الليونة في بعض الحالات بحسب رغبة المستأجر وحاجة المؤجر. واذا كان بعض المالكي يستنكف عن خفض اسعاره، فان آخرين باتوا على مناعة بأن السوق لا تنتظر انطلاقة او طفرة جديدة في المدى القريب، على حد قول رجا مكارم صاحب مكتب «رامكو» للتسويق العقاري، الذي يضيف: ان هذا الفريق الاخير، تحت تأثير صعوبة ايجاد مستأجر، يبدون الاستعداد اكثر فاكثر لتصحيح اسعارهم او تعديله.
ورغم ان سوليدير هي المقصد الاول للاعمال فانها لا تنجو من ركود السوق، حيث يجد ستوك المكاتب المتاحة صعوبة في النفاذ، بالاضافة الى ان عدد الايجارات آخذ في التراجع. وحتى هذه اللحظة، ما زالت الاسعار صامدة لا تتحرك بفعل الامال المعلقة على انتعاش السوق خصوصا بعد تأليف الحكومة واجراء الانتخابات النيابية.
وبالاجمال، فان معظم الايجارات تراوح بين 250 و300 دولار للمتر المربع بصورة رسمية، لكن هذه الاسعار لا تبقى على حالها عند توقيع العقود. والمطلوب بصورة عامة هو المكات الكاملة التجهيز والمساحات الصغيرة التي يمكن ان تخضع لبعض الحسومات الطفيفة، في حين يلجأ المالكون الى حسومات بين 10 و15 % في المكاتب التي تحتاج لبعض الاصلاحات.
وبهذا النطق، فان الحصول على مكتب غير كامل الاوصاف بسعر بين 200 و250 دولار للمتر المربع لم يعد مستحيلا. وهذا ما ينطبق على محلة ساحة النجمة بصورة رئيسية، وكذلك على رصيد المكاتب القائم احياء فوش واللنبي وويغان حيث المكاتب معروضة في السوق منذ عدة سنوات من دون ان تجد لها شاريا او مستأجرا. واذا كان معظم هذه المكاتب لم يخضع لاعادة التأهيل منذ اعادة اعمار وسط بيروت وفي حالة تعيسة. فان مكاتب اخرى تم تأجيرها في الماضي وتمثل معطيات مقبولة.
وفي نهاية الامر، وفي هذا الجو من الركود يمكن اصطياد الفرص المناسبة، واذا كان الشاطر من يجيد الصيد، فان الاشطر هو من يستشرف المستقبل ويعد العدة له.