بقلم د. ماجد منيمنة - اللواء
وقّع وزير الطاقة والمياه المهندس جبران باسيل، عقد إستقدام البواخر إلى لبنان مع شركة «كارادينيز التركية» ممثلة بصاحبها أورهان كارادينيز، في حضور ممثلي الشركة في لبنان السفير التركي إينان أوزيلديز ومستشارين ومديرين ومسؤولين في الوزارة وشركة كهرباء لبنان. وعقب التوقيع، قال الوزير باسيل: «أعتقد أن لبنان خسر عامين من دون سبب، وليسامح الله كل من تسبب بتأخير المشروع أو بتأخير وصول الكهرباء إلى اللبنانيين، إنما ما قد حصل قد حصل، واستطعنا أن نحّصل عقدا بأكثر ما يمكننا، ضمن الشروط التي توصلنا إليها، آملا أن يتم تطبيقه، لأنه يزيد الانتاج بنسبة 270 ميغاواط». وبعد ايام من الإنتاج علم اللبنانيون بأن الباخرة توقفت عن العمل قبل ان تصدر مؤسسة الكهرباء بيانا توضيحيا عن اسباب توقف «فاطمة غول سلطان» عن انتاج الطاقة، وقد ظهر بوضوح ان ثمة مشكلة في مواصفات الفيول الذي لم يتلاءم ومولدات الباخرة، علما ان هذه الحلقة كان يفترض رصدها قبل توقيع العقد وخلال الفترة التجريبية.
و اشارت مؤسسة كهرباء لبنان الى انه بتاريخ 30/3/2013، وقّّع محضر بدء الإنتاج من دون اعتراض أو تحفظ منKaradinizpowership وبعد فترة تجريبية امتدت من 9/3/2013 ولغاية 29/3/2013 بلا أي تحفظ أيضا من الجانب التركي, كما أرسلت الشركة التركية عينات من الفيول إلى مختبرات VISWA العالمية الى أن تسلمت شركة كهرباء لبنان اول كتاب بتاريخ 17/4/2013 منKaradinizpowership مفاده أن «الفيول أويل» المستخدم لا يناسب مولدات الباخرة، أي بعد أن تم ربط الباخرة بنجاح بالشبكة ووصول إنتاجها إلى أكثر من 180 ميغاوات. وبعد 3 أيام فقط أي بتاريخ 20/4/2013 خفّض الإنتاج إلى أدنى مستوى قبل أن تتوقف الباخرة عن الإنتاج بصورة نهائية.
و كالعادة لم نسمع اي تبرير مقنع من الوزير على طريقة «ما تعلّق لما تعلق» حيث فشلت وزارة الطاقة في توفير الحد الأدنى من العيش الكريم للناس، وفشلها على سبيل المثال لا الحصر في إدارة ملف الوقود والكهرباء، كما الأوضاع الصعبة التي يعيشها المواطنون في ارجاء المعمورة ونحن على أبواب لهيب الصيف ومعها زيادة ساعات التقنين، وعلى الحكومة أن تعترف بمسؤوليتها تجاه الناس الذين يشاهدون التناقض في ما تعيشه الوزارة من مبالغة في المصاريف والاهتمام بالمظاهر خاصة ما يتم تسويقه من كتاب كاريكاتوري يظّهر انجازات الوزير غير المنجزة والذي وضع في خانة الحملة الانتخابية المبكرة وعلى حساب المواطنين. الوزارة عليها أن تمارس دورها كجزء من الحكومة، وليس كفصيل مقاوم خارج الحكومة، بذلك ليس سهلاً إقناع الناس أن الحكومة قامت بمحاسبة من ارتكبوا انتهاكات مست بحقوق المواطن، ولن تكتمل المحاسبة من دون الشفافية بالإعلان عن أسماء مرتكبي الانتهاكات والاعتداءات، وحتى يشكل رادعاً لكل من تسول له نفسه ارتكاب جرائم في حق المواطنين بعيداً عن سيادة القانون. وفي ظل ذلك من حق الناس أن تطالب بحقها في محاسبة الوزير، وتزداد القناعة لديهم من غياب النزاهة، وان ضخ المعلومات بهذه الطريقة المضللة وغير الواضحة، في ظل غياب المعلومات الحقيقية التي ترسخ غياب الثقة في الحكومة، وابتعاد الناس عن المشاركة في العملية الديمقراطية.
وسط هذه الضبابية، لا تبدو الصورة واضحة لما ستكون عليه الأمور، لكن الأكيد أن الشركتين المعنيتين، «مؤسسة كهرباء لبنان» و«فاطمة غول سلطان» تدرس خياراتها، ولا تفصح عن أي اتجاهات محددة. لكن القلق الواضح يبقى من أسلوب التعاطي من قبل الجهات الحكومية. ومن الواضح أن الشركتين تعملان على توضيح موقفهما في الإعلام والاعلان، ليكون الجميع أمام مسؤولياتهم، إزاء كل التداعيات السلبية الناجمة عن القرارات، كما تجاه المواطن اللبناني وتجاه الاقتصاد الوطني بشكل عام حيث ان كلفة الدين العام سوف تزيد عن 12 مليار دولار بسبب خطة وزارة الطاقة وطبعا ان كلفة التعطيل سوف تدفعها كالعادة الدولة اللبنانية بسبب مخالفة بنود العقود المبرمة خاصة لعدم مطابقة مواصفات الفيول المستعمل.
كما اننا نسمع تصريحات مختلفة من المسؤولين في مستويات صنع القرار من كتاب من هنا ورد على الأفتراء من هناك, وكل واحد يفسر الموضوع من وجهة نظره التي ينتمي اليها مما يجعل المواطن يعيش في دوامة لا يعرف من يصدق, فهل هذا الفريق هو الذي يقول الحقيقة ام الذي يخالفه من الفريق الآخر؟ واين هي الحقيقة في كل ما يحدث ويدور وكل طرف يوجه اتهامه الى الطرف الآخر وكل حزب يوجه اتهامه الى الآخر في الفساد والسرقة والقتل والاختطاف وهذا سيلاحق ذاك وهلم جرا؟ وكيف نأتمن الى دولة يتهم مسؤوليها كلاهما الاخر واية شفافية في اخفاء كل ما يدور عن المواطن؟ وهل يصح ان يزيد المسؤول من هموم المواطن هما اخر هومن صلب عصب حياته اليومية؟ اين هي الديمقراطية في احترام الرأي والرأي الأخر لما فيه مصلحة البلد والمواطن من اجل عزه ورفاهيته؟ نعم تحت هذه المسميات وهذه الشعارات ضاع كل شيء سرقت الاموال نفذت العقود الوهمية مررت مناقصات الغاز والنفط, هجرت العقول وتلاشت الخدمات, وضاع الشباب وفقد الامن والاستقرار!!.
قد ترفع بعض الجهات الحكومية شعارات رنانة مثل شعار التغيير والإصلاح وتطبيق مبدأ الشفافية، وكثيرا ما تكون خلف هذه الشعارات بعض المهام الروتينية والشكلية، فلا توجد إجراءات حقيقية ولا معايير معتمدة تطّبق ما تنادي به هذه الجهات، فهذه الشعارات مثل الفقاعات التي سرعان ما يتلاشى بريقها ويتلاشى وجودها.والغريب في الأمر، أنه قد نجد بعض الأنظمة والقوانين التي تتضمن بعض الإجراءات التي تحقق مبدأ الشفافية، ولكن لا يتم تطبيقها أو إعطاؤها الأهمية المطلوبة، ومن ذلك على سبيل المثال فيما يتعلق بالمشاريع الحكومية. صحيح أن كثيرا من المواقع الإلكترونية للجهات الحكومية تفتقر إلى المهنية سواء في التصميم أو عرض الخدمات، وتكاد تكون مجرد صفحات دعائية للجهة، ولا تتضمن أية معلومات مهمة يمكن الاستفادة منها، وبالتالي فهي تفتقر للشفافية، فلا توجد أنظمة أو قرارات أو أدلة تنظيمية أو استراتيجيات يمكن تحميلها أو إعلان عن نتائج المنافسة في المناقصات أو المزايدات أو الإعلان عن طرح مشاريع جديدة، فضلا عن قدم المعلومات والتي قد تصل إلى سنوات عديدة. ونظرا لأن الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية من اختصاصاتها الرئيسية تعزيز مبدأ الشفافية، فيمكنها في الوقت الراهن، عمل بحث وتصفح على الإنترنت لمواقع الجهات الحكومية، بحيث يتم تحديد الجهات الحكومية التي لا تلتزم بالأنظمة والتعليمات والتي تتعلق بالشفافية مثل الإعلان عن المشاريع والإعلان عن نتائجها وبناء عليه تتم مخاطبة الجهات غير الملتزمة بذلك، كما يمكن أيضا أن تقوم الجمعية بدراسة وتصنيف المعلومات التي تعزز مبدأ الشفافية للنظر في نشرها على شبكة الإنترنت، ومن ذلك على سبيل المثال: نشر الإستراتيجيات والخطط السنوية والتقارير الخاصة بتنفيذها، ونشر السياسات والإجراءات المتعلقة بنشاط الجهة، ونشر الميزانيات والحسابات الختامية لها، وهكذا.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الطريقة المقترحة تعتبر اقتصادية وغير مكلفة، ولا تحتاج إلى القيام بجولات ميدانية، ولا تستغرق وقتا طويلا لمتابعتها، ومن خلالها يمكن تحقيق أهداف الجمعية في تعزيز مبدأ الشفافية، وليس هذا فحسب، بل يمكن للجمعية أيضا النظر في تحليل مخاطر بعض مظاهر الفساد مثل الرشوة والواسطة ووضع الإجراءات التي تقلل من هذه المخاطر، مثل إلزام الجهات الحكومية بوضع قواعد للسلوك الوظيفي والنزاهة بالتفصيل لأي نشاط إداري، وإلزامها أيضا بضرورة الإفصاح عن تضارب المصالح ووضع الإجراءات اللازمة للفصل بين الوظائف المتعارضة، والإفصاح عن الأقارب وتحديد درجات القربى للتقليل من مشكلة الواسطة على سبيل المثال، ويمكن للجمعية في سبيل تحقيق ذلك الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة والرائدة في هذا المجال، فالمتصفح لبعض المواقع الإلكترونية لبعض الدول، يستطيع أخذ فكرة واضحة ومفصلة للنشاط الحكومي فيها وهو جالس في بيته، فعلى سبيل المثال نجد موقع مكتب المساءلة الحكومية الأميركي (GAO) يقوم بنشر تقارير رقابة الأداء للأنشطة الحكومية على موقعه بكل شفافية ووضوح، كما يقوم بنشر خططه وقائمة بالمهام التي نفذها والدراسات التي أعدها، فلماذا لا تحذو الأجهزة الرقابية عندنا حذو مكتب المساءلة أو ان في هذا الوطن الصغير هنالك دوما ناس بسمنة وناس بزيت, أو أن مفهوم الشفافية لم يعد يجد مكانا له في مؤسساتنا الوطنية؟
* خبير مالي ومحلل اقتصادي.
* دكتوراه في المالية الدولية.