تسير البلاد على نبض صرخات النقابيّين الذين يتجوّلون بين الدوائر الرسميّة والمؤسسات العامّة والخاصّة مطالبين بإنصافهم تحت عنوان أكبر هو العدالة الاجتماعيّة. فهذه العدالة والنظم التي ترعاها في تدهور مستمرّ، وهو ما يؤكّده تقرير التنمية البشرية الذي صدر أمس
حسن شقراني
يكفي إلقاء النظر على لائحة أصحاب المليارات عالمياً ومقارنتها بمؤشّرات الفقر، لتحديد مستوى غياب العدالة الاجتماعية في لبنان. فبحسب لائحة «Forbes» لعام 2012، تبلغ ثروة ستة لبنانيين من عائلتين فقط 14 مليار دولار _ أي ما يمثّل ثلث الناتج المحلّي الإجمالي _ وهي نمت بنسبة تقارب 10% مقارنة بالعام السابق، فيما النموّ الاقتصادي لم يتعدّ نسبة 2% فقط. في المقابل، لا يزال لبنان، بحسب أكثر المؤشرات محافظة، يُعاني من معدّل فقر يساوي 28%، هذا يعني أنّ أكثر من مليون إنسان مقيم بالكاد يحصّلون ما يسدّ الرمق.
مناسبة هذا الحديث هو صدور النسخة الأحدث من مؤشّر التنمية البشرية الذي يُعدّه برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي (UNDP). إذ صحيح أنّ مرتبة لبنان تبقى ثابتة في عام 2012 مقارنة بالعام السابق، ولكن لدى الأخذ في الاعتبار «عدم المساواة» يتدهور مؤشّر لبنان بنسبة 22.8% ويسقط 9 مراتب؛ وضع يجعله بين الأسوأ في مجموعة البلدان ذات مؤشر التنمية المرتفع التي يُصنّف بينها، وتضمّ 47 بلداً، تبدأ اللائحة بالبحرين وتنتهي بتونس.
فمؤشّر عدم المساواة يؤثّر بنسبة 27.8% على التنمية في كولومبيا، لتتصدّر قائمة عدم المساواة في هذه المجموعة. وفي القائمة يبرز لبنان إلى جانب بلدان مثل البرازيل، فنزويلا، الإكوادور، بنما، بيرو والمكسيك.
وبحسب نسخة عام 2013 من المؤشّر الشهير الذي بدأ إعداده مطلع تسعينيات القرن الماضي، يحلّ لبنان في المرتبة 72 بين 186 بلداً. وتتصدّر اللائحة بلدان تتّسم بمستوى عال من العدالة وإعادة توزيع الثرورة. على رأسها تبرز النروج تليها أستراليا، وفي الأسفل تظهر الكونغو والنيجر.
في الواقع، رغم تقدّم لبنان ثلاثة مراتب بين عامي 2007 و2012، لم يصعد مؤشّره كثيراً، فارتفع من 0.728 نقطة إلى 0.745 نقطة؛ وهنا مشكلة كبيرة. فخلال تلك الفترة، نما اقتصاد لبنان بمعدّلات لافتة. وبحسب الأرقام الرسمية، ارتفع حجم الاقتصاد بنسبة 67% إلى 42 مليار دولار. ولكن ثمار هذه الثروة لم تتوزّع بعدالة على مختلف الشرائح.
ويقيس المؤشّر مجموعة من المعطيات هي العمر المرتجى عند الولادة (وهو 72.8 عاماً في لبنان)، عدد سنوات الدراسة المرتقبة (13.9 عاماً)، إضافة إلى حصّة الفرد من الناتج المحلّي الإجمالي.
وتأتي هذه النتائج في وقت تعصف فيه الرياح النقابية في الجوّ العام اللبناني، حيث يتدفّق الآلاف إلى الشوارع مطالبين بتصحيح الرتب والرواتب في القطاع العام، بل يطرحون تحرّكهم كفاتحة لمحاربة الفساد وغياب العدالة. ومن بين المؤشرات الأساسية على هذا السلوك نزولهم إلى منطقة «زيتونة باي» التي تُعدّ شبه جادّة ترفيهية للأغنياء، إضافة إلى تشديدهم على ضرورة مكافحة الهدر في المرافق العامّة التي تُشكّل في كثير من الأحيان ملاعب سياسية بامتياز لمراكمة الثروة والزبائنية.
وتتماهى هذه الحركة اللبنانية مع العنوان الذي يحمله في نسخته لعام 2013، «نهضة الجنوب: تقدم بشري في عالم متنوع». ويُشدّد على أنّ «نهضــة الجنــوب هــي ظاهــرة لا ســابق لهــا مــن حيــث الســرعة ولا مــن حيــث النطــاق».
يقول إنّ تلك النهضة هي نتيجة لتوســيع إمكانيات الأفراد وتحقيق تقدّم، «وعندمـا تحقــق مجموعــة كبيــرة تقدّمــاً فــي التنميــة يســتفيد منه الملايين من الســكان، يكــون لهــذا التقــدم تأثيــر مباشــر علــى توليــد الثروات وتقــدم الإنســان».
ويتطرّق التقرير إلى «التغيــر الــذي يشــهده العالــم، ومعظمــه نتيجــة لنهضــة الجنوب». ويقول إنّه «للمــرة الأولــى منــذ 150 عامــاً يناهز مجمــوع إنتاج الاقتصــادات الثلاثــة النامية الرئيســية، وهــي البرازيل والصيــن والهنــد، مجمــوع الناتــج المحلــي الإجمالــي للقــوى الاقتصاديــة العريقــة فــي الشــمال، وهــي ألمانيا وإيطاليــا وفرنســا وكنــدا والمملكــة المتحــدة والولايات المتّحدة