ميقاتي بين شاقوفي هيئة التنسيق والهيئات الإقتصاديّة وغير جاهز للحسم
إعتصام «التنسيق» نفذ في مدخل القصر الجمهوري وغداً أمام الأونيسكو
مارون حداد - الديار
هل قطعت الدولة نصف الطريق الى الغاء سلسلة الرتب والرواتب او تخفيفها او تأجيلها؟
هذا السؤال فرضته ثلاثة عوامل رئيسية. اولها انفصال نقابة المعلمين في المدارس الخاصة، وحصر وهج الاضراب بالمعلمين الرسميين وموظفي الإدارة العامة، وثانهيما عدم حسم مسألة التمويل وثالثهما ما ظهر من حديث رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى احدى القنوات التلفزيونية المحلية امس الاول.
فبالنسبة الى مسألة انفصال القطاع الخاص عن حركة الاجتماعات واستئناف العمل في المدارس الخاصة ذكر ان رئيس النقابة تلقى وعدا من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بحسم الموضوع في الواحد والعشرين من الشهر الجاري او في جلسة مجلس الوزراء التي من المقرر ان تعقد بعد هذا التاريخ.
لكن بعض اعضاء نقابة معلمي المدارس الخاصة اعتبروا ان هذا الوعد - اذا كان صحيحا - هو بمثابة ضغط رسمي اكثر خطورة من الضغوط التي يتعرض لها المعلمون والنقابة من المدارس الخاصة ولجان الاهل. وكان رئيس النقابة نعمه محفوض قد حاول استيعاب هذين النوعين من الضغوط من خلال قوله ان معلمي المدارس الخاصة سيلتزمون بعد ظهر كل يوم تدريس باعتصامات وتحركات مستقلة عن هيئة التنسيق النقابية حتى الابرار بالوعد.
اما موضوع التمويل فما زال يخضع لنقاشات واتصالات ومشاورات مكثفة من اجل الوصول الى بنود تكفل تحقيق الارقام المطلوبة لتغطية اكلاف السلسلة لكن هذا الامر لم يبت حتى الآن بشكل حاسم ونهائي. «فطابق الميقاتي» - اي زيادة عامل الاستثمار - لا يؤمن دخلا ثابتا لانه مرتبط بحجم الطلب والحاجة في مرحلة تتسم بالجمود العقاري، ولوائح وزير المالية محمد الصفدي الضريبية لم تلق التجاوب من اللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة ملف السلسلة. وفي الآونة الاخيرة ادخلت ثلاثة تعديلات ضريبية على مشروع السلسلة، ابرزها كما يقول وزير الدولة مروان خير الدين، الاقتطاع الشهري من رواتب الموظفين (من 6 الى 8%) مع فرض ضريبة دخل على المعاش التقاعدي وهذا التعديل لقي اعتراض اكثر من نصف اعضاء اللجنة الوزارية ومن ومن المرجح الا يمر في مجلس النواب ولا سيما اذا احيل المشروع قبل الانتخابات النيابية. والتعديل الثالث تناول اعادة النظر بالعطاءات او المبلغ الذي يتقاضاه ذوو المتقاعد بعد وفاته (زوجة ابنة عازب). وينقل خير الدين عن تقرير وزير المالية ان هذه التعديلات توفر 220 مليار ليرة على الخزينة سنويا.
وهذا يعني ان المستفيد نفسه من السلسلة هو مصدر التمويل وهذا لا يمكن القبول به لا من قبل هيئة التنسيق النقابية، ولا حتى من قبل معظم الوزراء والنواب.
اما ما صدر عن رئيس الحكومة في حديثه التلفزيوني الاخير فقد نم عن ارتباك واضح في شأن الملف، وهذا ما يفسره اعطاء مواعيد الليل التي يمحوها النهار، والتباعد بين جلسات مجلس الوزراء التي يناقش فيها موضوع السلسلة.
والاغرب من كل ذلك اعتراف الرئيس ميقاتي بأحقية المطالب المرفوعة، وتخوفه في الوقت نفسه من دعسة ناقصة، وكان الاحرى في هذا المجال تبديد المخاوف قبل طرح السلسلة على بساط البحث. والاكثر غرابة هو التشبيه الذي اطلقه ميقاتي بأن الاقتصاد كناية عن كوب مملوء ماء والسلسلة نقطة واحدة لكنها كفيلة بإفاضة الكوب. اما كان اجدى لو كانت هذه الصورة في اذهان الذين اخترعوا السلسلة. ثم ما هذا الكوب الذي لا يتحمل نقطة ماء واحدة؟ولم يكشف الرئيس ميقاتي عن كيفية رفع بعض الماء من الكوب لكي لا يفيض بنقطة الماء؟ هل سيوقف مزاريب الهدر الشائعة الصيت في كل مرفق وقطاع؟ وهل سيضرب «ضربة معلم» في الاملاك البحرية والنهرية؟ وهل اقنع الناس بأنه لم يفرض ضرائب على ذوي الدخل المحدود والمتوسط عندما انهال وزير ماليته على المتقاعدين بالحسم والضرب والاقتطاع وهؤلاء هم غالبية ذوي الدخل المحدود الذين يبدون بأمس الحاجة الى الفلس والدواء؟
} ميدانياً }
وعلى الصعيد الميداني نفذت هيئة التنسيق النقابية اعتصاما مركزيا العاشرة من قبل ظهر امس امام مدخل القصر الجمهوري، ضم أساتذة وموظفين عامين وموظفي القطاع الخاص ورابطة اساتذة التعليم الثانوي الرسمي والتعليم الاساسي الرسمي من المناطق كافة الذين توافدوا في باصات كبيرة من كل المناطق اللبنانية، وتظاهروا امام مدخل القصر تزامنا مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء. وحملوا اللافتات المنددة بالحكومة والاعلام اللبنانية وكانوا ينادون عبر مكبرات الصوت« لن نسمح لحيتان الاقتصاد ان يسلبوننا حقوقنا».
ثم ألقيت كلمات في حضور رئيس الهيئة حنا غريب، وقد استهل الاعتصام بكلمة لعضو الهيئة وممثل التعليم الأساسي عدنان برجي ومما قاله: «:لنستهل إعتصامنا بالوقوف دقيقة صمت والصلاة عن روح الغائب هذه الحكومة، ونؤكد اننا لن نقف أو نتراجع حتى إقرار سلسلة الرتب والرواتب، كما نؤكد ان الأساتذة هم الذين يملكون القرار في الإمتحانات الرسمية وهذه الإمتحانات لن تتم في موعدها في حزيران المقبل بل في تشرين، ومكونات هيئة التنسيق واحدة موحدة».
ثم تحدث بإسم طلاب لبنان في المدارس الرسمية، الطالب خالد الكردي، فناشد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، أن يبحث في موضوع الإمتحانات الرسمية مع وزير التربية وإيجاد حل لهذه المعضلة. والقى رئيس رابطة التعليم المهني ايلي خليفة ومما قاله: ويل لأمة يترك حكامها معلميها في الشوارع أياما وشهورا ويصمون آذانهم عن مطلب معيشي هام جدا.
وتوجه الى الرئيس سليمان قائلا: ننتظر منكم يا حامي الدستور والمؤسسات والحريات، قرارا شجاعا بدعوة مجلس الوزراء الى جلسة استثنائية طارئة للبت النهائي بمصادر التمويل للسلسلة وأخذ القرار بالإحالة.
وقال امين سر رابطة اساتذة التعليم الثانوي في لبنان نزيه جرباوي: «كفى وعودا، لن نمل ولن نكل حتى تحقيق المطالب.
وتوجه رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة في لبنان الدكتور محمود حيدر الى المعتصمين بالقول: إنكم بهذا الإعتصام الحاشد والكبير تؤكدون مجددا بأنكم لن تكلوا ولن تيأسوا ولن تنسحبوا من الساحات ولن تفكوا إضرابكم المفتوح حتى إحالة السلسلة الى المجلس النيابي.
كما توجه الى مجلس الوزراء المنعقد والى الرئيس سليمان وقال: فلتطرح السلسلة اليوم من خارج جدول الأعمال ويتخذ قرار واحد وصريح في شأنها وسنقابلكم بموقف إيجابي.
وألقى كامل شيا كلمة رابطة التعليم الأساسي فقال: جئنا اليوم صفا واحدا وكلمة واحدة تحت راية هيئة التنسيق النقابية، هذه الهيئة صاحبة القرار الوطني النقابي الحر التي أنتجت على مدى شهور ما عجزت عنه كل الهيئات النقابية، ونقول كفى لمن يتاجر بأرزاقنا وأعناقنا. كفى كذبا، ولن نغادر الشوارع والساحات حتى تحويل السلسلة.
اما كلمة المعلمين المتقاعدين فألقاها عصام فضل الذي قال: المتقاعدون قضوا زهرة شبابهم في خدمة المجتمع على أمل تأمين حياة كريمة في ما تبقى لهم من العمر. ان المعاش التقاعدي ليس منة من أحد، بل هو مشروع المحسومات التقاعدية والترقية التي اقتطعت من رواتب الموظفين طيلة فترة خدمتهم، لذا نرفض المشاريع المشبوهة.
وألقى في الختام الشاعر عدنان ابو زيد قصيدة من وحي المناسبة. يذكر ان كثافة المشاركين ادت الى قطع الطريق الدولية باتجاه منطقة الجمهور ما ادى الى زحمة سير خانقة على طريق بعبدا - الحدث. وبعد ذلك سار المعتصمون في مسيرة نحو الجمهور بعدما أقفلت الطريق لجهة اليمين من مستديرة الصياد لتسمح للمعتصمين بالمرور.
ودعت الهيئة جميع المعتصمين الى اللقاء الثالثة والنصف من بعد ظهر غد الخميس، في قاعة قصر الأونيسكو ليرفعوا قبضاتهم وصوتهم مجددا وليقولوا ان عيد المعلم هذا العام هو عيد الغصة، عيد الألم، عيد الغضب على مسؤولين ينسون هموم شعبهم.