طربيه لـ «الديار» : لم نكتفِ بتلقي المبادرات بل أصبحنا المبادرين
نجاح المصارف قام على الإدارات الكفوءة والسلطة النقديّة الرؤيويّة
اعتبر رئيس جمعية المصارف الدكتور جوزف طربيه ان القطاع المصرفي اللبناني بات قطاعا اقليميا ودوليا، واصبح هو صاحب المبادرة وليس المتلقي فقط. وعزا هذا النجاح الى قاعدتين هما ادارات المصارف الكفوءة والسلطة النقدية الرؤيوية، ورأى ان النجاح السابق هو ضمانة للنجاح المقبل.
واشار الى ان مبلغ الــ2200 مليار ليرة التي قدمها مصرف لبنان للمصارف هي من اجل الاقتصاد ومن شأنها ان تسفر عن نمو بنسبة 2%. وقال ان البلد يدار بموازنة تضخمية فيها الكثير من الهدر والانفاق غير المجدي. وطالب باجراءات خلاقة من اجل تخفيف عجز الكهرباء. وابدى حرصه على اسماع المعنيين في الولايات المتحدة كلمة القطاع الخاص اللبناني بعدما اسمعهم وزير المال محمد الصفدي كلام الدولة اللبنانية. واكد انه المبكر الكلام عن انتخابات مجلس ادارة جديد للجمعية، لكن الجو السائد هو دوما جو توافقي، ولا اتوقع اي تغييرات.
«الديار» اجرت هذا الحوار مع الدكتور طربيه الذي نثبته في ما يلي:
اجرى الحوار : جوزف فرح ـ ابراهيم عواضة
* اشرف وجودك على رأس جمعية المصارف على الانتهاء، فكيف تقوم تجربتك في رئاسة الجمعية؟
- كانت مرحلة دقيقة ومشوقة في الوقت نفسه، فالملفات المتعلقة بالقطاع المصرفي كانت دقيقة وغنية بالاحداث، وعلى تماس مع السوق الدولية والمجتمع الدولي. وقد اثبتت المصارف الجمعية انها تملك من النضوج الكافي، ما مكنها من ادارة كل الظروف وكل الاوضاع. ولا ننسى ان السنتين الماضيتين كانتا فترة الاحداث في العالم العربي والربيع العربي وما يتركه من آثار على الاوضاع الاقتصادية في معظم الدول العربية، ولا سيما الدول التي يوجد فيها مصارف لبنانية عاملة. لكن القطاع المصرفي اللبناني استطاع ان يتجاوز كل هذه الصعوبات. ونحن اليوم، بالرغم من كل الازمات المحيطة بلبنان وداخله، ما زالت المصارف تظهر بانها عنصر القوة الاساسي في الاقتصاد اللبناني. وما زالت ايضا تحقق نموا جيدا في ظروف اقتصادية تدنى فيها النمو الى ما دون 2% في حين بلغ النمو المصرف 8% سواء بالنسبة الى الودائع، او الموجودات، او الرساميل. وبقيت المصارف تراهن على البلد فرفعت رساميلها في السنوات الماضية. بصورة عامة فان المشهد المصرفي هو مشهد ايجابي ومطمئن، وداعم لكل ما هو اقتصاد في لبنان. والمصارف ليست العامل الاساسي لنهضة الاقتصاد والنمو فقط، وانما هي لاعب اساسي مع المؤسسات العاملة في الخارج، باعتبار اننا نتوجه دائما الي عملائنا في الخارج لنؤمن لهم الدعم والتمويل لمختلف نشاطاتهم، نحن، اذن ، امام قطاع مصرفي اقليمي ودولي، ولم يعد قطاعا محليا يعمل على صعيد الاراضي اللبنانية فقط.
وبالنسبة الى تقييم المرحلة السابقة استطيع القول انني اعطيت فرصة الاشراف على احتفالات مرور خمسين عاما على تأسيس جمعية المصارف. كان يوبيلا مهما جدا لانه عبر عن الاستمرارية والقوة والدور البناء الذي لعبته المصارف في حياة لبنان الاقتصادية، وفي الاستقرارالاقتصادي الذي يعتبر مولد كل الاستقرارات الاخرى.
} الخلطة السحرية }
* ما هي الخلطة السحرية التي جعلت القطاع المصرفي واقفا على قدميه رغم كل المتاعب والضغوط الخارجية التي ادت الى غياب احد المصارف؟
- هناك قاعدتان للنجاح. الاولى تتعلق بادارات المصارف الكفوءة، والثانية وجود سلطة نقدية ورؤيوية وناجحة، استطاعت ان تنظم القطاع وتراقبه بشكل جيد، وتؤمن له الراحة النفسية، والاقتراب من مشاكله من اجل معالجة اي ظروف استثنائية تظهر. لذلك كان القطاع المالي والمصرف هو الجاذب الاساسي للاستثمار في لبنان، وساهم الاستقرار النقدي في استعادة دور الليرة بعدما انحصر دورها في الادخار طمعا بالفوائد العالية التي كانت تفرض على الليرة. اما اليوم فقد عادت الليرة اداة توظيف، ومؤخرا ضخ البنك المركزي 2200 مليار ليرة من اجل تشجيع التوظيف بالليرة اللبنانية بفوائد تشجيعية. لذلك نحن امام مشهد مصرفي وتسليفي يعيد الثقة ويثير الاعجاب. وجميعنا يعلم ماذا حصل في غير دول من ازمات مصرفية، كما في مصر وسوريا وغيرهما. وكنا نلاحظ ان اولى انعكاسات الازمات السياسية تظهر على النقد، وعلى احتياطات البنوك المركزية، وخروج الودائع من بلدانها، في حين ان لبنان نجح في اجتياز هذه الامتحانات، والحقيقة ان النجاح السابق هو ضمانة للنجاح المقبل.
* طالما نتكلم عن اعطاء مصرف لبنان المصارف 2200 مليار ليرة، فماذا تعطي هذه الخطوة للمصارف وماذا تعطي للاقتصاد؟
- هذا التعميم يعطي الاقتصاد اولا لان المصارف تتمتع بالسيولة، وهذه المحفظة التي قدمها مصرف لبنان للمصارف انما هو اعطاها للاقتصاد الذي سيستفيد منها بصورة رئيسية. والمصارف ستستخدم هذه الاموال بالليرة اللبنانية للتسليف ذي الطابع الانمائي والاجتماعي والبيئي. هذا يعني ان كتلة مالية كبيرة ستدخل في الاقتصاد باسعار تشجيعية، وسيترتب عليها نحو نسبة 2% يضاف الى نسبة النمو المرتقبة التي من الصعب توقعها.
* البعض وصف هذه الكتلة المالية بأنها دعم للحكومة...
هي دعم للاقتصاد. فكل ما يفيد المؤسسات الاقتصادية في زمن الازمات هو عمل ايجابي يقتضي تشجيعه وعدم تسييسه. والحقيقة هذه الهندسة المالية هي نقدية صرفة، وليس فيها اي دعم للحكومة، ويجب اعطاء الفضل فيها لمصرف لبنان، وليس لاي جهة او شخص آخر.
* خلال الاجتماع الاخير بين الهيئات الاقتصادية والحكومة ابديتم ملاحظات على الانفاق الحكومي المتزايد. وتخوفتم من انفاق اضافي في موسم الانتخابات، واكدتم انكم لستم على استعداد تمويل اي انفاق اضافي. فهل هذا قرار حاسم ونهائي؟
- هذا القرار نهائي، وقد لقينا تفهما من الحكومة. ونحن كنا سابقا نلتقي رئيس الحكومة والوزراء اسبوعيا، اما اليوم فان اللقاءات تحصل يوميا مع الوزراء المختصين، لان الهيئات الاقتصادية اخذت على عاتقها ان تكون هي المدافع الرئيسي والاساسي عن الاقتصاد اللبناني، لانها تتمتع بالاستمرارية والديمومة، وهي على تماس مع حركة التصدير والاستيراد. مع حركة السياح. وهي تدرك ان الوضع لا يتحمل الاعتماد على انفاق انتخابي قد يؤدي الى تضخم في النفقات الادارية في الموازنة بينما المطلوب هو اجراء خفض فعلي واساسي ومؤشر للنفاقات الادارية في الموازنة. نحن ندير البلد بموازنة تضخمية فيها بنود كثيرة من قبيل الهدر والانفاق غير المجدي. نحن نريد الحسابات في الموازنة دقيقة تحول دون حصول اي شطط، علما بان الموازنة بحد ذاتها تحمل كلفة باهظة اذا توقفنا فقط عند عجز الكهرباء الذي يقدر بملياري دولار، وكتلة الفوائد على الدين العام التي تقارب 3 مليارات دولار. اذن، نحن امام 5 مليارات دولار غير منتجة تنوء بها الموازنة. ومن المفروض عدم حصول اي اضافات عليه، بل بالعكس ينبغي وضع سقوف له وخفضه. وفي خلال لقاءاتنا مع رئيس الحكومة والوزراء وضعنا خطة قريبة التطبيق تقضي بوضع سقف لكل من هذه العجوزات غير المبررة. وقد ابلغنا وزير المالية بانه لن يسمح باي اضافة على العجز الحاصل. وفيما خص الكهرباء ينبغي لمؤسسة الكهرباء ان تجدد الحلول المناسبة اما بزيادة التعرفة على بعض الشطور، او تفعيل الجباية، او باجراءات خلاقة تساعد على تخفيف كلفة عجز الكهرباء بطرق مختلفة. ان تحسين التغذية اذا تم بالاسعار الحالية، فمعنى ذلك ان العجز سيزداد، وهذا امر غير مقبول. لذلك ينبغي ان يجتمع المخططون لاتخاذ الاجراءات اللازمة. ونحن قوة ضاغطة في هذا المجال على الحكومة والمؤسسات العامة من اجل اجراء اي اصلاحات ضرورية، لان كل يوم تأخير لهذه الاصلاحات تتحمل مصاريف اضافية لا تستطيع موازنة لبنان تحملها.
} عدم اقرار الموازنة }
* التقيتم امس وزير المال محمد الصفدي، وبالاضافة الى اطلاعكم على نتائج زيارته للولايات المتحدة لم تطرقوا الى توضيح اسباب عدم اقرار الموازنات العامة منذ 2005 حتى ا ليوم ومدى تأثيرهما على الاقتصاد؟
-اطلعنا فقط على مشروع موازنة 2013 والرؤ ية الجديدة التي تقوم عليها والسقوف الموضوعة لكل شي. ويعرف وزير المال بحكم اتصالاته بالمنظمات الدولية انه لم يعد من الجائز ان يظهر لبنان للعالم الخارجي بسياسة مالية غير واضحة، وقد ابلغنا انه وعد المؤسسات الدولية باصراره على ضبط الوضع ووضع سقوف للانفاق ومعالجته كل مكامن الهدر. وزارة المال معنية بهذه المسألة اكثر من غيرها، وقد علمنا ان جولة الوزير الاخيرة كانت موفقة، حيث اعطى الاجوبة اللازمة للمؤسسات الدولية باعتبار اننا جزء من السوق الدولية، التي لا بد من التزام قواعدها، واعطاء شروحات لها بين الوقت والاخر، على اساس ان المجتمع الدولي يهتم بكل الدول ذات المديونيات الكبيرة، التي تؤثر على الاسواق. ونحن كجمعية مصارف سنقوم لاحقا بجولة مماثلة في الولايات المتحدة حيث سنلتقي صندوق النقد الدولي، ونقول الكلام نفسه الذي قاله وزير المال. وبذلك تكون تلك المؤسسات سمعت كلام ممثلي الدولة، ومن ثم كلام ممثلي القطاع الخاص وبالطبع ثمة تنسيق مع الدولة لان مصلحتنا مشتركة.
* افهم انكم ستتصرفون كلوبي؟
- لا. انما نريد افهام من يجب افهامه ان نشاطنا لا ينحصر بالنشاط التجاري المصرفي فقط، وانما هناك ضرورات ضمن ما يجري في العالم كأن نظهر حسن اداء مصارفنا، ونطلع على كل القواعد والمعايير المتبعة لتسهيل التعاطي المصرفي والاقتصادي بين الدول. نحن ندعم في لبنان عدة مشاريع قوانين مطلوبة عالميا، مثل قانون الامتثال الضريبي الاميركي (فاتكا) وغيره. نحن ملتزمون ان نعلن للخارج باننا نطبق كل ما هو مطلوب منا، فيما تلتزم الدولة بتطبيق كل المقررات الدولية، وذلك حفاظا على اموال مودعينا وعلى بقاء مصارفنا تعمل بحرية في الاسواق الدولية.
* لماذا كل هذا التوجه للخارج؟
- انت تعلم ان المؤسسات الدولية كانت وما زالت ترسل الينا وفودا وبعثات من اجل اطلاعنا على مستوى تصنيف لبنان في الاسواق الدولية. وغالبا ما يكون تعاطي هذه الوفود مع جمعية المصارف التي تعطي الصورة الحقيقية لقطاعنا المصرفي والذي تعبر عنه النشرة الدورية التي تصدرها جمعية المصارف. وهكذا استطيع القول اننا في حالة حوار دائم مع المنظمات الخارجية ومؤسسات التصنيف العالمية، ونشارك في مؤتمرات تتناول الشأنين المالي والاقتصادي، وهذا ما يظهر عبئه على رئيس جمعية المصارف وسائر اعضائها. وجميع اركان القطاع.
* يبدو انك تحمل الآتي الى رئاسة الجمعية عبئا كبيراً؟
- يستطيع حملة كن متأكدا ولا تنس انني حاضر دوما لتحمل اي مسؤولية. لان المسألة ليست فقط مسألة رئاسة بل مسألة تشارك في حمل المسؤولية. فكل مجلس ادارة جمعية يترك بصماته على الجمعية وعلى القطاع. وهناك دور ايضا للامانة العامة.
} ادخال دم جديد }
* يلاحظ عدم ادخال دم جديد الى مجلس الادارة، دم الشباب..
- كلهم دم جديد. المصارف ليست في شيخوخة فهي دوما تجدد دمها وتجدد هيالكها. وعناصرها ولا تنس ان معظم من هم حولي في مجلس الادارة شباب... ومن الشباب الاكفأ والذين يديرون في الوقت نفسه مصارفهم. فالمسألة ليست مبنية على الاساس العمري بل على حجم المصارف المتمثلة في مجلس الادارة، والتي هي في الواقع من يصنع السوق المصرفية. مسألة المجلس ليست مسألة انتخابية فحسب، بل مسألة الحجم المصرفي المخول، برسم السياسة المصرفية وتحديد الفوائد وغير ذلك عن مستلزمات التنظيم.
* بالاضافة الى تحرككم في الخارج، نلاحظ ان الزيارات الاميركية الى لبنان خفت.
- لا شك في انه حدث تغيير في الادارة الاميركية بعد الاتنخابات الجديدة. لم يقل اهتمامها بلبنان لان الاهتمام لا يتم بالضرورة من خلال الزيارات. ونحن كمصارف وضعنا سياسة تقوم على المبادرة وعدم الاكتفاء بتلقي مبادرات الاخرين. وهذه السياسة متحركة وحيدة ومارسناها فعليا من خلال اتحاد المصارف العربية حيث قمنا بتحرك مهم لا سيما بعد حادثة 11 ايلول. علما انه من واجب صاحب الحق ان يبادر، ولا ينظر متقوقعاً المبادرات تأتيه من الخارج.
* نحن في انتظار اجتماع العقلاء في المصارف لتحديد مسار الانتخابات في الجمعية، فهل انت مع انتخابات توافقية؟
- الجو السائد في الجمعية هو دوما جو توافقي، واتصور ان الوقت مبكر وليس هناك اي شيء على النار، وانا مطمئن في النتيجة لان يكون الاستحقاق هادئا وحضاريا كالعادة، ولا اتوقع تغييرات في مجلس الادارة.