أليس من مصلحة الجوار الخليجي تعزيز التقارب معها؟
د. محمد شعيتاني - (البناء الاقتصادي)
عارض كثيرون أو تشاءموا من الاتفاق الذي تمّ بين إيران والدول الستّ الكبرى، ورأوا في رفع العقوبات خطراً على الخليج والمنطقة من ناحية سياسية، حيث ستقوى شوكة إيران، وأيضاً من ناحية اقتصادية تتمثل في خطر اكتساح الاقتصاد الإيراني للمنطقة، أما الناحية الأهمّ فهي عودة إنتاجية إيران للنفط إلى كامل طاقتها وهو ما سيؤثر سلباً على الدول المنتجة للنفط وعلى أسعار النفط العالمية.
من جهة أخرى يرى البعض الآخر أنّ هذا الخطر غير منطقي وغير مبرّر من نواح عدة:
ـ من ناحية إنسانية واجتماعية: ما يجب التسليم به قبل رفض الاتفاق هو أنّ العقوبات لم تؤثر على الحكومة في إيران، حيث كان الأثر الأكبر على معيشة الشعب الإيراني، حيث انخفضت رفاهية المواطنين وأنتجت العقوبات أزمة على مستوى المعيشة ومستوى التضخم وعلى مستوى مختلف المرافق الحيوية التي تخدم الشعب الإيراني.
الأمر لا يقتصر على الجانب الداخلي فقط، فعلى المستوى الخارجي عانت نسبة من الإيرانيين من الاضطهاد نتيجة الحصار وهجوم وسائل الإعلام العالمية والإقليمية، وعانت أيضاً مع البنوك التي كانت تحظر التعاون مع أي بنوك إيرانية، وعليه لم يكن في استطاعتهم إرسال الأموال إلى ذويهم أو إتمام أي إجراءات تكون المؤسسات الإيرانية طرفاً فيها. بناء على هذا الجانب، لا حقّ إنسانياً لأحد أن يرفض الاتفاق بحكم أنّ المتضررين من العقوبات هم بشر، ويحقّ لهم أن يعيشوا الحياة الكريمة التي هي حقّ للجميع.
أما بالنسبة إلى الخوف من مسألة أنّ إيران دولة نفطية، وأنّ رفع العقوبات سيؤثر على سعر النفط العالمي، فبحسب المعطيات لا يبدو أنّ الأثر سيكون بهذا الحجم الكبير لأسباب عدة: أولها أنّ إيران ستعود إلى حصِّتها السوقية الطبيعية من الإنتاج عالمياً والتي عوّضتها السعودية والإمارات ودول أخرى حينما تمّ إقصاء إيران من إجمالي مستوى العرض العالمي.
فعودة إيران لا بدّ أنّ تسبقها تفاهمات داخل «أوبك» من دون الإضرار بسعر السوق، وهذه مصلحة عامة للدول المُنتجة يدركها الجميع، ثم أنّ الفرق بين مستوى إنتاج إيران في ظلّ العقوبات وقبلها ليس بالفارق الكبير الذي قد يقلب أسعار السوق رأساً على عقب. يُضاف إلى ذلك أمر آخر مهم يتمثل في استمرار أزمة انخفاض أسعار النفط.
أما الخوف من أنّ رفع العقوبات قد يمنح إيران قوة سياسية أكبر على مستوى المنطقة، فهذا فيه الأمر وإن كان فيه شيء من الصحة، لكنّه من جهة أخرى، قد يفتح آفاقاً لتسوية أزمات المنطقة، خصوصاً أزمات سورية والعراق واليمن على وجه التحديد، لذلك على دول المنطقة رفع جاهزيتها السياسية والديبلوماسية كسبيل لخلق التكافؤ مع إيران وذلك نتيجة لتقدمها وقوتها السياسية والاقتصادية المشهودة.
وأهم من ذلك كله، على دول الخليج إعادة دراسة الخيارات مع إيران، فمعظم هذه الدول انتهج سياسة العداء مع إيران طيلة العقود الماضية، ولم نر إلا الدم والدمار، كنتيجة لهذه السياسات.
بعد الاتفاق النووي التاريخي، أصبحت إيران في وضع يصعب فيه أنّ تجاريها دول الخليج بالطرق السياسية التقليدية المتمثلة في قطع العلاقات الديبلوماسية معها أو محاولة خلق الاضطرابات داخل مناطق نفوذ أمنها القومي أو الوصول إلى مرحلة الحرب معها.
إيران، بكامل قوتها الاقتصادية السياسية وفي ظلّ التقدم والتطور التكنولوجي الهائل الذي تشهده، خرجت اليوم من إطارها الإقليمي إلى الإطار العالمي، والتقرب منها أصبح محلّ اهتمام مختلف القوى العالمية الكبرى لأسباب اقتصادية وجيوسياسية. وقد نشهد عمّا قريب اختلافاً في علاقة الدول الغربية الكبرى مع دول الخليج إن استمر الخليج على وضعه السياسي الحالي.
إنّ فشل خيار العداء مع إيران فرصة للبحث في سبل الحوار والتفاهم معها، خصوصاً أنّ التقارب قد يثمر عن شراكة اقتصادية وسياسية فيها منفعة تاريخية للخليج ولدول المنطقة بشكل عام. فسياسة سلطنة عمان مع إيران نموذج واضح لصورة الشراكة التي قد تجمع إيران بدول الخليج. هذا الخيار حاجة ملحة في ظلّ أوضاع المنطقة المتأزمة واستمرار الصدام مع إيران، خاصة بعد اتفاق الدول الستّ الكبرى، ولا بدّ من محاولة خلق الفرص السياسية والاقتصادية المتبادلة بين دول الخليج وبين إيران لتحسين أوضاع المنطقة.
فلسفة التفاهمات مع إيران ليس بالطريق السهل، وستحتاج إلى خوض مسار طويل حتى تحلّ القضايا العالقة بينها وبين دول أخرى مؤثرة على جيوسياسية المنطقة، لكنّ الطريق موجود، ومع المبدأ الذي أقرّه السلطان قابوس لسياسة السلطنة مع دول الجوار والذي ينصّ على «أننا نؤمن بأنّ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومراعاة المواثيق والمعاهدات، والالتزام بقواعد القانون الدولي من شأنه ولا شك، أن ينتقل بالعالم إلى حالة أكثر مواءمة بين مصالح الدول، وهو ما ندعو إليه دائماً من خلال نشر ثقافة التسامح والسلام والتعاون والتفاهم، بين جميع الأمم، كما أننا نأمل أن يؤدي ذلك إلى اقتلاع كثير من الأسباب لظاهرتي العنف وعدم الاستقرار»، من شأنه أن يُمهِّد لعلاقة جوار مثمرة مع إيران.
هناك أيضاً، عوامل من شأنها أن تشجع وتدعم خيار إعادة فتح العلاقة مع إيران بدلاً من الصدام معها، وهذه العوامل تتمثل في أنّ إيران دولة ذات تجربة ديمقراطية. ومنطق سياستها مع دول الجوار، بحسب المُلاحظ، يقوم على الشراكة والمصالح المشتركة أكثر من الإلزام. كما أنّ لجوء إيران إلى قوة السلاح والمال سيناريو غير بارز في حلّها للمسائل والقضايا الخارجية العالقة، فالأساليب السياسية والديبلوماسية تأخذ حيزاً واضحاً في تعاملها مع الخلافات. ولولا ديبلوماسيتها لما نجحت في إتمام الاتفاق النووي التاريخي عبر المحادثات فقط.
وسواء اختلف البعض مع إيران أو اتفق، يبقى أنّ علاقات إيران تتسم بأنها ثابتة راسخة والدليل بقاءها إلى جانب سورية والعراق في أزماتها وتمسكها بالقضية الفلسطينية، أضف إلى ذلك أننا لا نجد في إيران منابر للطائفية أو الفتنة، من شأن إعادة فتح العلاقات مع إيران أن يكبح جماح المذهبية التي تعصف بالسنّة والشيعة ومختلف المذاهب الإسلامية، كما أنه قد يغير ملامح المنطقة.
إنّ أي مراقب للوضع الحالي يجد أنّ المذهبية لها أسباب وأبعاد سياسية والتحريض يتم بأدوات سياسية وأساس التحريض هو سياسية العداء المتبعة ضدّ إيران، لذا لا بدّ من الخيار الدبلوماسي مع إيران حتى تنعم المنطقة بالاستقرار والتقدم.
رئيس هيئة حوار الأديان
باحث في الشؤون الإقتصادية والسياسية والدينية