اجتماع لجنة الحوار على وقْع استفحال أزمة العمالة اللبنانية: إجماع على الحد من "سورنة" سوق العمل و"أجنبتها"
المجتمعون يقفون دقيقة صمت على ارواح شهداء التفجير في برج البراجنة - (الصورة)
سلوى بعلبكي - (النهار)
قبل سنة تحديدا انعقد الاجتماع الاخير للجنة الحوار المستدام، وانعقد امس الاجتماع اليتيم للجنة في هذه السنة والثالث في عهد وزير العمل سجعان قزي، مما طرح علامات استفهام عن سر هذه الكبوة التي استمرت سنة كاملة!
لم يكن تجميد وزير العمل لاجتماعات لجنة الحوار من فراغ، بل كان نتيجة عدم تعامل المتحاورين (أطراف الانتاج) بجدية مع اللجنة، إذ كانوا يوفدون مندوبين عنهم من الصف الثاني والثالث، ولكن هذا الاجتماع تبدل الواقع فحضر الصف الاول من المعنيين في ما عدا جمعية المصارف التي انتدبت ممثلاً عنها.
ولكن ما الذي استدعى عقد اجتماع اللجنة؟ يشير قزي لـ "النهار" الى أنه "في ظل تعطيل المؤسسات الدستورية والشغور الرئاسي، أردنا أن نرسل بارقة أمل بأن ثمة مؤسسات ومجالس لا تزال تعمل، وقد وجدنا ضرورة عقد الاجتماع بعد عودة الموسم الدراسي ومطالبة الهيئات العمالية بإحياء سلسلة الرتب والرواتب وبعد الحراك في الشارع".
إلا أن موضوع منافسة اليد العاملة اللبنانية أخذ حيزا مهما من الحوار، إذ ركز على منافستها في عقر دارها، لذا كانت دعوته الى الحد من "سورنة" سوق العمل اللبنانية و"أجنبتها"، على رغم أنه لا ينكر أن هناك كسلاً من الجانب اللبناني إذ ثمة 25% من العاطلين عن العمل لا يجهدون في البحث عن فرصة عمل. من هنا يؤكد قزي أهمية التواصل بين أفرقاء الانتاج والمؤسسة العامة للاستخدام. وحتى لا يفسر البعض أنها دعوة للمجتمع اللبناني الى الانغلاق، يقول قزي: "نصر على وجود كفايات في كل المؤسسات اللبنانية، على أن لا يكون الاستثناء قاعدة تعتمدها المؤسسات".
وكان لافتا في الاجتماع حضور رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي روجيه نسناس، الامر الذي برره قزي بالتأكيد على أن لجنة الحوار المستدام ليست بديلا عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي على رغم أهمية توفيرها مساحة حوارية برعاية وزارة العمل، ووضع ميثاق اجتماعي واقتصادي لرفعه الى مجلس الوزراء. وفي هذا السياق، يشير الى أنه سيتم تأليف لجنة لتلخيص كل الاقتراحات التي وضعت منذ تأسيس "الحوار المستدام" ورفع تقرير الى مجلس الوزراء خلال 3 أشهر.
ود بين الهيئات والعمالي
تلقت الهيئات الاقتصادية والنقابية الاسبوع المنصرم، الدعوات لحضور الاجتماع، وهي كانت موضع ترحيب من الهيئات، خصوصا وانها مناسبة لعرض كل فريق للاوجاع التي يعاني منها، وفق رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس الذي اعتبر أن "لجنة الحوار المستدام ليست منبرا لاتخاذ القرارات بقدر ما هي منبر لترطيب الاجواء الاجتماعية وبلورة الحلول".
ما هو الوجع الذي تحدثت عنه الهيئات؟ المشكلة الابرز التي يشير اليها شماس هي في "غياب النمو الاقتصادي وتدهور اوضاع القطاعات الانتاجية بسبب الاشتباك السياسي المباشر وتعطل الحياة الدستورية وصولا الى ارتدادات الحرب السورية الى لبنان بكل ابعادها المباشرة عبر الوجود السوري الكثيف، وغير المباشرة من خلال توتر الاجواء اللبنانية والفرص الاقتصادية الفائتة".
وإذ يشير الى تفهم اصحاب العمل الصعوبات المعيشية للقوى العاملة، يلفت في المقابل الى ما يعانيه هؤلاء من أزمة سيولة خانقة تعثر أو تطيح الكثير من الشركات والمؤسسات. ولكن الاهم برأيه، هو نقاط التلاقي التي اجمع عليها اطراف الانتاج عبر تأكيد حماية اليد العاملة اللبنانية لما لها من ابعاد اجتماعية، كالمحافظة على قدرة عيش اللبنانيين ولجم ظاهرة الهجرة، واقتصادية عبر تعزيز استهلاك الاسر وانتاج المؤسسات.
ويستند شماس الى ما أدلى به وزير العمل خلال الاجتماع عن الحجم المخيف لاستبدال المؤسسات بقوى عاملة أجنبية وخصوصا السورية منها، ليؤكد أن الهيئات مدركة لمخاطر هذه الظاهرة الزاحفة الآيلة الى الاستغناء عن القوى العاملة اللبنانية، وهذا خطر فادح على المجتمع والاقتصاد، مؤكدا أنه تم الاتفاق على وضع "هذه الظاهرة تحت المراقبة لان وزارة العمل ليس لديها الامكانات الكافية لها".
واعتبر ان "الهيئات عبرت عن حسها الاجتماعي، وفي المقابل كان كلام الاتحاد العمالي متفهما للوقائع الاقتصادية وهذا فأل خير لمستقبل العلاقات لأنها تبني قاعدة علمية لانطلاق خطط العمل المستقبلية".
وشدد أخيرا على اهمية التشريع المالي "الذي جنب لبنان الوقوع في المحظور المالي والنقدي والمصرفي ووضع البلد في نوع من "الكرنتينا الاقتصادية".
رأي الاتحاد العمالي العام لم يكن بعيدا عن موقف الهيئات الاقتصادية الذي عبر عنه شماس، إذ أنه وفق رئيسه غسان غصن، يفعل الحوار بين اطراف الانتاج على نحو مؤسسي من خلال لجنة تم تشكيلها نتيجة لتعثر الحوار قبل اقرار زيادة الاجور الاخيرة.
وفيما يتخوف البعض من أن تكون هذه اللجنة بديلا عن المجلس الاقتصادي، أكد غصن ان "اللجنة لا يمكنها ان تكون بديلا عن المجلس وفي الوقت عينه لا شيء يمنع من أن تكون منبرا للحوار في بعض المسائل المهمة". ومن هذه المسائل، يحدد غصن مسألة العمالة الاجنبية وخصوصا السورية منها، واستغلال بعض المؤسسات للظروف المعيشية والصعبة التي يمرون فيها الى حد السخرة، وذلك في ظل غياب هيئات الاغاثة الدولية التي من المفترض أن تولي أهمية أكبر للاجئين عبر توفير الاعانات الكافية لهم وليس كما يحصل اليوم. ويعتبر أن معالجة مشكلة المنافسة الاجنبية للعمالة اللبنانية هي مسؤولية مشتركة بين الوزارة (الناحية القانونية) واطراف الانتاج (حس المسؤولية الوطنية والاقتصادية)، داعيا الى عدم تقاذف المسؤوليات، بل علينا أن نتحمل جميعا هذه المسؤولية تحصينا لليد العاملة اللبنانية في ظل زيادة التضخم وتدني القدرة الشرائية بما ينعكس تاليا ركودا على قطاعات الانتاج.
حضر الاجتماع الى قزي، رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي روجيه نسناس، رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير، رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل، رئيس جمعية تراخيص الامتياز شارل عربيد، رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن على رأس وفد، نائب رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان نبيل فهد، وممثلون عن وزارات الاقتصاد والعمل والطاقة، وجمعية المصارف. ووفق البيان، ركز المجتمعون على إعادة تفعيل عمل الحكومة، ودعوتها الى احياء المجلس الاقتصادي الاجتماعي، ومطالبة مجلس النواب بالإسراع في إقرار المشروعين المتعلقين بضمان الشيخوخة واستمرار الضمانات الاجتماعية والصحية بعد سنّ التقاعد، ومناشدة المعنيين حماية اليد العاملة اللبنانية التي تتعرّض لحرب شعواء، كذلك حماية المؤسسات التجارية والاقتصادية والسياحية لأن هناك هجوماً من المؤسسات غير اللبنانية وخصوصاً السورية".
[email protected]
قرّاء النهار يتصفّحون الآن