تفاقم الأزمات المعيشية والإجتماعية في ظل غياب الدولة والشح المالي
تظاهرات عمالية تطالب بحقوقها
بقلم عصام شلهوب - (اللواء)
الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الاستثنائية في الاحوال الراهنة ضاغطة جداً ولا تحتمل المزيد من المشكلات، ولا يبدو من خلال مقاربة سلسلة المطالب (سلسلة الرتب والرواتب أبرزها)، وردود الفعل عليها حكومياً ونيابياً، لا يبشّر بحلول قريبة وعاجلة قد ترى النور، فالاتحاد العمالي يهدد بتحريك الشارع، الهيئات المدنية والاجتماعية والدينية يشنون هجوماً دائماً على الوضع الاقتصادي الخانق الذي أصبح لا يطاق، بعدما أحدث بلبلة بين الناس واضطراباً في التعاطي فيما بينهم، فهناك استحقاقات تعذر إيفاؤها، وأخرى دفعت مضاعفة، وتهديد لبنان بالشكوى أمام «نادي باريس» السيّئ السمعة، بالإضافة الى حوالات بلا أرصدة، وشركات تقفل أبوابها، وعمال يسرحون ولا يجدون من يقدمون إليه خدماتهم، قطاعات السياحة تتنفس بواسطة أنابيب الاوكسجين، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة. هذه القضايا وغيرها أحدثت في المجتمع حال من الجمود قد تؤدي الى انفجار، مع أن الامر مستبعد، لأن اللبناني تعوّد على إطلاق الصراخ فقط دون الفعل...
وسط تجاذبات السياسة، والاضطراب الأمني المتنقل، وخطف العسكريين، والارتهان للداخل والخارج، وفي انتظار الانتهاء من الاستحقاقات الأساسية كانتخاب رئيس للجمهورية ووضع قانون جديد للانتخابات وبالتالي إجراء الانتخابات النيابية... يبقى الوضع الاقتصادي سيّد الكلام والأزمات المتفجرة على ضوء مؤشرات عديدة:
1- الأزمة المعيشية التي جددت حضورها خلال الفترة الأخيرة، فلقمة العيش باتت مهددة في ظل اليد العاملة السورية النازحة والتي أخذت حيزاً هاماً من أعمال اليد العاملة اللبنانية بعذر تدني أجورها فقط... بالاضافة الى خسارة آلاف الموظفين لوظائفهم ولجوئهم الى وزارة العمل لتحصيل حقوقهم، ما دفع بوزير العمل الى الموافقة على زيادة غرف مجالس العمل التحكيمية للبت بكل الشكاوى، وبموازاة ذلك يعلن المزيد من المؤسسات الانتاجية إفلاسه مع التلويح بإقفالها...
2- اشتداد أزمة الكهرباء، وتوسيع مدى رقعة التقنين، وأعذار المؤسسة هي إياها منذ سنوات طويلة، (ضغط على الشبكات، سرقة التيار، أعطال طارئة في المعامل والمحطات وشبكات النقل لأسباب فنية وتقنية...)، والعذر الأخير المستمر منذ شهور، ولن تجد إدارة مؤسسة الكهرباء المخرج المناسب له، لتداخل المناكفات السياسية فيه وهو قضية المياومين وجباة الاكراء... ووفق المصادر الفنية الخبيرة فإن هذه الأسباب، وغيرها غير المعلن، أفضت الى خسارة في الطاقة بنسبة كبيرة جداً... (إشارة الى أن إعادة تأهيل وتطوير المعامل والمحطات والشبكات كلفت مليارات من الدولارات، ولا يمكن التوقف عند رقم معيّن، لأن الكلفة على زيادة...) وما زاد الطين بلّة مشكلة عدم توافر الاعتمادات المالية لشراء المعدات والفيول ودفع الالتزامات الدولية المتوجبة، بدليل أن البلاد كادت تواجه أزمة جديدة دولية، بسبب تأخر وزارة المال بدفع الحقوق لأصحاب الشركة الدانمركية.
3- أما ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية فيأتي ليزيد من تردي الاوضاع الاقتصادية وليحمّل المواطن أعباء إضافية هو في غنى عنها، خصوصاً وأن التجار وأصحاب الشأن رفعوا أسعار سلعهم ومنتجاتهم بنسبة الأرقام التي كانت تتضمنها سلسلة الرتب والرواتب التي لم تقرّ حتى الآن، لكن التجار استوفوا نسبتها من دون وجه حق، حتى أن الدولة لم تحرك ساكناً تجاه هذا الأمر.
4- إن اتساع التجاذبات السياسية سيؤدي الى مزيد من التوتر واتساع الثغرات في المؤسسات العامة. وما لذلك من انعكاسات جديدة على النشاط الاقتصادي بشقيه الاستثماري والاستهلاكي.
5- تأثر القطاع المصرفي الذي تراجعت أرباحه، وتالياً التصنيف الائتماني إذا استمر تجاهل المخاطر المحدقة... مع الاشارة الى أن مؤسسات التصنيف الائتماني تبني تقاريرها على واقع أداء القطاع المصرفي اللبناني...
6- عدم بت الملف النفطي والبدء باستثماره لأكثر من سبب معلن وغير معلن...
7- مشروع قانون التغطية الصحية الشاملة، الذي وعد به أكثر من وزير للصحة، لم يبصر النور بعد.
8- إقرار مشرع قانون ضمان الشيخوخة، الذي يحمل كل مرة لواء تنفيذه أصحاب الشأن السياسي ولكنه يبقى في الأدراج.
9- الاستمرار في ترداد نغمة تحفيز الاستثمار، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، الأمر الذي أثبت فشله حتى اليوم، مما أفشل خطط وجود فرص عمل كافية للبنانيين، وتأمين الحقوق الاجتماعية للمواطن.
10- تصاعد وتيرة الفساد والهدر والمحسوبيات.
11- غياب الخطط التنفيذية المفصلة والواضحة لمواضيع التنمية والسياسات الاجتماعية، التي تبقي ضمن إطار التمنيات.
وخوفاً من سيناريو «كرة الثلج» المطلبية والاجتماعية، سجلت آلية التحرك موقفين متناقضين:
أ- الاتحاد العمالي العام يستعد للتصعيد عبر طرحه سلسلة مطالب وعرض عدداً من المقترحات لمعالجة المشكلة المعيشية، وحملت المطالب عناوين مثل تصحيح الأجور، إعادة الاعتبار للحد الأدنى للأجور، التصدي للبطالة المتفشية ونزف الهجرة الدائم، ووقف صرف العمال الذي آتخم سوق البطالة.
ب- إيعاز الحكومة الى الوزراء المختصين للقيام بخطوات تخفف من حدة الانتقادات الموجهة إليهم... مع استبعاد إمكانية البحث في تصحيح الأجور في القطاعين العام والخاص نظراً للصعوبات المالية والاقتصادية.
أمام هذا العرض السريع للواقع تتأكد المعطيات من أن لا قدرة للحكومة على معالجة المشكلات في ظل تركيبتها السياسية الحالية، واستفحال الخلافات السياسية الحادة في البلاد، ولا أمل بالتالي من تنفيذ أي خطة إصلاحية، خلال فترة ولاية هذه الحكومة، مما يعني أن المشاكل مستمرة وستتفاقم وسترحّل من حكومة الى أخرى، وسيبقى المواطن في الدوامة.. على أن يستعاض عن المطالب الأساسية بمسكّنات وحلول جزئية، ومحاولات إلهاء المواطن بألف قصة وقصة...