محمد وهبة - (الأخبار)
أثار وزير العمل سجعان قزّي ثلاث نقاط أساسية في جلسة مجلس إدارة الضمان الاجتماعي التي عقدت قبل أيام. الهدف من طرح هذه النقاط كان التهويل على مجلس الإدارة لدفعه في اتجاه اعتماد نظام جديد لمباريات التوظيف في صندوق الضمان تحت عنوان «لامركزية المباريات». كل هذا حصل بذريعة إطلاق «ورشة إصلاحية للضمان»، لكن توقيت مثل هذه الورشة فضح الأهداف الكامنة وراءها.
زيارة قزّي للضمان، وترؤس مجلس إدارته، هي الثانية من نوعها، لكنها كانت هذه المرّة واضحة الأهداف. فقد بدأ الوزير كلامه على سفر وفد من الضمان إلى جنيف، ثم انتقل للحديث عن إنتاجية مجلس الضمان، لينتهي بطلب التعاون معه لإقرار لامركزية المباريات.
قصّة السفر إلى جنيف كانت المقبلات التي قدّمها قزّي على مائدة الضمان. سجّل قزّي اعتراضه على الذين تحفّظوا عن سفر وفد من الضمان إلى جنيف للمشاركة في مؤتمر العمل الدولي السنوي. سبب الاعتراض، كما عبّر عنه قزّي، أن معارضة السفر جاءت على خلفية طائفية. المقصود بكلام قزّي أن المجلس رفض سفر عضو مجلس الإدارة جورج علم، فيما سافر رئيس اللجنة الفنية سمير عون إلى هناك، رغماً عن إرادة 8 أعضاء في المجلس. لا بل إن الضمان سدد كلفة سفر عون، رافضاً تسديد كلفة سفر علم. وأوضح الوزير أنه جرى تضخيم كلفة السفر «لأنني سافرت إلى هناك بالدرجة الأولى، ولم تكلف أكثر من 5 آلاف دولار، وبالتالي إن كلفة سفر وفد من 5 ممثلين عن الضمان لا تصل إلى 155 ألف دولار كما رُوِّج له».
ينسى قزّي أن كلفة السفر لخمسة أيام مختلفة عن 18 يوماً، وأن مؤتمر العمل الدولي لم يتضمن في أي من جلساته أي موضوع عن الضمان الاجتماعي، وبالتالي فما هو داعي المشاركة فيه؟
على أي حال، كلام قزّي الهادئ، أثار حفيظة بعض الأعضاء الذين رأوا أن السفر إلى جنيف ليس حصة طائفية، بل تمثيل للضمان يوجب أن يكون فيه مواضيع متعلقة بشؤون الضمان وتطوّرات هذا المجال في العالم. لكن قزّي لم يتوقف كثيراً عند هذه النقطة، بل ذهب مباشرة إلى النقطة الثانية التي انتقد فيها عمل مجلس الضمان وقلّة إنتاجيته، مشيراً إلى ضرورة «إعادة النظر في وضعية مجلس الإدارة، بحيث إن الأعضاء الذين لا يحضرون منذ فترات طويلة، من دون اعتذار ومن دون احترام الزمالة، يجب على مجلس الإدارة أن يضع حداً لدورهم ويطلب من الهيئات التي يمثلونها تسمية ممثلين بدلاً منهم».
حظوظ كل مرشح إلى المباريات مرتبطة بالجهة المهيمنة على كل مركز
استعمل الوزير قزي هذا النقد جسراً للعبور نحو مطلبه الفعلي المتعلق بالتوظيف في الضمان وملْء الشغور في ملاكه الإداري. وما لم يذكره قزّي في تصريحاته أمام الإعلام، أنه طلب من مجلس الإدارة مساعدته والتعاون معه على إجراء توظيفات لملء بعض الشواغر في الضمان، في إطار ما سمّاه «لامركزية المباريات».
من المعروف أن الضمان توقف عن التوظيف المباشر التزاماً بمادة وردت في قانون موازنة عام 2004، إذ تفرض هذه المادة على الإدارات والمؤسسات العامة والمستقلة إجراء مباريات التوظيف عبر مجلس الخدمة المدنية. ورغم أن الضمان يتمتع بالاستقلالية في قانون إنشائه، إلا أنه انصاع لهذه المادة وانصرف إلى إجراء مباريات التوظيف بعد طلب إجازة من مجلس الوزراء بإجراء المباريات عبر مجلس الخدمة المدنية. لكن طرح قزّي يأخذ الضمان إلى ما هو أبعد من ذلك، فهو يشير إلى إنشاء لجان لإجراء المباريات من طريق مكاتب الضمان المنتشرة في المناطق. هذا يعني أن كل مركز للضمان يتولى بنفسه تحديد حاجاته إلى الموارد البشرية وإجراء مبارياته لتأمين هذه الحاجات.
يفسّر بعض أعضاء المجلس هذا الطرح بـ«أن مباريات التوظيف ستُجرى على أساس ما يحتاجه هذا المركز أو ذاك، وقد تكون محصورة بوظائف شاغرة في مركز معيّن فقط، ما يعني أن حظوظ كل مرشح إلى المباريات ستكون مرتبطة بمكان إقامته وبتوافر الشروط السياسية للجهة الراعية لهذا المركز أو ذاك». وبهذا المعنى سيجري ترسيخ الزبائنية السياسية وتوزيع الحصص على المراجع السياسية بصورة أكثر وقاحة مما هي اليوم.
تجدر الإشارة إلى أن وزير العمل طلب من إدارة الضمان إجراء بعض التشكيلات في مراكز معيّنة، بعضها سبق أن أجرى تعيينات حديثة فيها، مسمياً بعض الأسماء لتولي مراكز معينة، وقد خضعت إدارة الضمان لهذا الطلب. إلا أن طرح لامركزية المباريات سيفتح بازار التعيينات على مصراعيه في الضمان، إذ بدأت ملفات الفساد تظهر بصورة علنية يتبيّن منها أن هناك غطاءً سياسياً لبعض الفاسدين. وبحسب أعضاء في مجلس الضمان، إن كل ما يقال عن إصلاح الضمان هو ذريعة تستعمل لتكريس واقع هشّ، «فلو كان الإصلاح هو المقصود فعلاً لا قولاً، لخرجت بعض الطروحات في توقيت مناسب مختلف عن التوقيت الحالي المحاط بالشغور الرئاسي والخاضع للتوافق الكامل في مجلس الوزراء وفي ظل غياب عقد جلسات تشريعية تهتم بالأمر».