كلمة رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان بالإنابة السيد حسن فقيه
في الدورة 108 لمؤتمر العمل الدولي
جنيف – 14 حزيران 2019
- السيد غاي رايدر – المدير العام لمنظمة العمل الدولية،
- السادة الوزراء ورؤساء وأعضاء الوفود المشاركة والأصدقاء الضيوف،
- أيها الحفل الكريم،
يقع اجتماعنا اليوم في مفصل زمني تاريخي من حياة ونشأة منظمة العمل الدولية حيث مرّ مئة عام كاملة على إنشائها. ويسعدنا أنّ هذه المنظمة قد استمرّت وتزايد أعضاءها وأبرمت المزيد من الاتفاقيات الدولية والتوصيات وكرّست مؤسسات عضوية كلجنة الحريات النقابية وسواها من اللجان.
إننا إذ نحيي هذه المناسبة ونتمنى المزيد من التقدّم لها ولقيادتها وأعضائها. فإننا نلفت أنّ بلدان عديدة في عالمنا لا تزال خارج الاتفاقيات والمعايير الدولية وخصوصاً الأساسية منها وإذا كان ذلك يتطلب المزيد من عمال هذه البلدان وشعوبها فإنه يتطلب كذلك اجتراح أشكال ضغط فعّالة أكثر من قبل إدارة المنظمة لفرض تطبيق هذه المعايير والزامية احترامها.
السيدات والسادة الأعزاء،
لقد اطلعنا بإمعان وانتباه شديدين إلى تقرير اللجنة العالمية المعنية بمستقبل العمل تحت عنوان «العمل من أجل مستقبل أكثر إشراقاً» وقد تضمّن هذا التقرير البالغ الغنى تحليلاً معمقاً وعلمياً وشاملاً لمختلف جوانب التطورات المستقبلية وبمنهجية واضحة وطموحة وخصوصاً فيما يتعلّق بتنفيذ العقد الاجتماعي على قاعدة: برنامج عمل يركّز على الإنسان والتحولات الهائلة التي تجري في اقتصاد العمل وسوق العمل وتأثيراته السلبية والايجابية. وهو تقرير يصلح ليكون برنامج عمل مستقبلي في أكثر من جانب في حياتنا النقابية والاقتصادية والاجتماعية. فكلّ الشكر للجهود العظيمة التي وقفت وراء وضع هذا التقرير وانطلاقاً من ذلك، يؤكّد الاتحاد العمالي العام ما جاء في التقرير لجهة العمل على إرساء ضمانة شاملة للعمال بحيث تكفل أن يتمتع جميع العمال بصرف النظر عن صفة تعاقدهم بحقوق العمال الأساسية وحدود قصوى لساعات العمل وبالصحة والسلامة المهنية وكذلك بضمان التمثيل الجماعي من خلال الحوار الاجتماعي.
أيها الحفل الكريم،
نأتي إليكم من منطقة شهدت منذ سبعين عاماً خلت إرهاب الدولة المنظم أي منذ إنشاء الكيان الصهيوني عام 1948 على حساب تشريد وقتل الشعب الفلسطيني صاحب هذه الأرض منذ ألوف السنين. هذه المجازر التي كان من أواخرها وليس آخرها سلسلة المذابح التي ارتكبتها إسرائيل في حق المطالبين بحق العودة إلى أرضهم وديارهم في السنة الماضية والحالية خصوصاً.
ونأتي إليكم من منطقة عاث فيها الإرهاب ومنظماته التكفيرية قتلاً وذبحاً وتدميراً، من لبنان الى سوريا إلى العراق ومصر وليبيا واليمن والى بعض بلدان المغرب العربي. وقد كانت هذه العصابات «الأممية» المتسترة بإسم الدين تترعرع في كنف أجهزة المخابرات الدولية وحكوماتها الامبريالية ودول الاستبداد الرجعية التي تهدف إلى السيطرة على خيرات هذه البلدان والقضاء على استقلالها وكسر إرادة شعوبها وإخضاعها للاستعمار مجدداً ولوصايتها الاقتصادية والسياسية.
السيدات والسادة،
احتفلنا في لبنان قبل أيام قليلة، وتحديداً في الخامس والعشرين من شهر أيار، كما في كل عام منذ العام ألفين بيوم التحرير والنصر على الاحتلال الإسرائيلي، ولم يكن ذلك ممكناً لولا إرادة شعبنا اللبناني الحاسمة وجيشه البطل ومقاومته الباسلة. فالعدوان الإسرائيلي المستمر على أرضنا منذ نشوء هذا الكيان وهو يمعن في قتل الأطفال والنساء والشيوخ ويحرق الأرض ويدمّر البنى التحتية والمصانع والمزارع وأحياء ومناطق بكاملها.
وبالتالي فإنّ الأولوية القصوى كانت لدينا وقف هذا العدوان وصدّه ومنعه من التمادي كي نتمكن من تنمية بلدنا والاهتمام بالعمل اللائق لعمالنا وشبابنا ومستقبل أبنائنا. ونعتقد أيها الأصدقاء أنّ منظمة العمل الدولية التي قامت على أثر الحرب العالمية الأولى وأعلنت أهدافها وتطورت بعد الحرب العالمية الثانية بإعلان «فيلادلفيا» هي أمام واجب أخلاقي وإنساني تجاه نضال الشعوب من أجل تحرير الأرض والتحرّر من كل أشكال الاستعمار السافر أو المقنّع.
وفي هذا السياق، نلفت عنايتكم جميعاً إلى أنّ الكيان الصهيوني هو آخر كيان عنصري يعرفه عالمنا المعاصر، وهو يشكّل الموقع المتقدّم لمصالح الدول الغربية الكبرى وخصوصاً منها الولايات المتحدة الأميركية والشركات المالية والصناعية والتجارية الكبرى فيها. وإنما قامت به الولايات المتحدة من عمل عدواني جديد بنقل سفارتها مؤخراً إلى القدس الشريف والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني إنّما هو نقلة نوعية جديدة وامتداداً لوعد «بلفور» المشؤوم عام 1917 الذي أسّس لنشوء هذا الكيان السرطاني في العالم العربي والآن أتى إهداء منطقة الجولان السورية المحتلة من قبل من لا يملك لمن لا يستحق ليزيد إمعاناً في غلوّه الاستعماري ويضيف إليها ما يسمّى بصفقة القرن المسمومة.
السيدات والسادة،
إنّ سوريا الشقيقة التي بدأت باستعادة عافيتها بعد كل الإجرام والتدمير الذي حصل منذ العام 2011 تتعرّض اليوم لاعتداءات إسرائيلية متكررة لدعم المنظمات الإرهابية القليلة المتبقية على أرضها، وذلك في محاولة لمنع الاستقرار في هذا البلد الشقيق الذي عانى شعبه مرارة القتل والتشريد إلى مختلف بلدان العالم ومنها بلدنا لبنان حيث بات هؤلاء الأخوة النازحين يشكلون عبئاً اقتصادياً واجتماعياً حيث يفوق عددهم على المليون ونصف المليون.
وهنا لا بدّ من التوقّف أمام التوجهات الخطيرة لمؤتمر بروكسل الهادفة إلى توطين النازحين السوريين في أماكن تواجدهم عبر إغراءات مادية لإبعاد شبح الهجرة إلى أوروبا وإغراق البلدان التي استقبلتهم ومنها لبنان بالمزيد من الأزمات بدلاً من العمل على إعادتهم إلى ديارهم.
إنّ على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته اليوم سواء في العمل على استقرار سوريا لفسح المجال لعودة مواطنيها إليها أو مساعدة لبنان لتأمين جميع السبل لتسهيل هذه العودة فضلاً عن تحمّل الأعباء المادية والإنسانية إلى حين تلك العودة في أقرب وقت وذلك بدلاً من قرع طبول الحرب في المنطقة للاستمرار بتشغيل مصانع السلاح في أميركا وأوروبا وإغراق المنطقة بالمزيد من الدماء.
إنّ حكومة لبنان أحالت إلى المجلس النيابي بعد عشرين جلسة مشروع موازنة 2019 إلاّ أنها لم تلتزم للأسف بقواعد الحوار الاجتماعي ومصالح أطراف الإنتاج حيث اقترحت موازنة فيها الكثير من الإجحاف والمزيد من الديون والضرائب والرسوم في ظل غياب محاربة الفساد والرشوة والسرقة على أنواعها. وإننا في هذا السياق دعونا لأوسع مواجهة لهذا المشروع لا هوادة فيها لمنع المزيد من الاستغلال والظلم والاعتداء على الحريات النقابية والعامة. ونحن نطالب من منظمتكم المزيد من الدعم في موقفنا، خصوصاً في ضوء تقريركم حول العمل من أجل مستقبل أكثر إشراقاً.
وختاماً نشكر لكم استماعكم ونتمنى لدورتنا النجاح في أعمالها.
رئيس الاتحاد بالإنابة
حسـن فقيـه