نص المؤتمر الصحافي لرئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان
الدكتور بشارة الأسمر
مقر الاتحاد العمالي العام – بيروت، في 6/2/2019
- الأصدقاء ممثلي وسائل الإعلام،
- الزملاء النقابيون،
أتحدث إليكم في هذا المؤتمر الصحافي بعد انتهاء جلسة هيئة مكتب المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام التي أقرّت البيان التالي:
أولاً: يرحب الاتحاد العمالي العام بتشكيل الحكومة الجديدة التي ولدت بعد معاناة دامت طوال تسعة أشهر واجهت فيها البلاد أشدّ المخاطر على المستويات كافة وكادت أن توصل بنا الى حافة الهاوية إن لم يكن للهاوية نفسها.
وقد أدّى فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع رئيس الحكومة وبمساندة دؤوبة وكاملة من دولة الرئيس نبيه بري بوجهٍ خاص جهوداً خاصة وصادقة، كما كافة القوى السياسية الحريصة على إنهاء هذه المشكلة ووضع البلاد على سكة الاستقرار.
وقد لعب الاتحاد العمالي العام وعدد من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني دوراً إيجابياً في الضغط للإسراع من أجل تشكيل هذه الحكومة التي نأمل لها النجاح في عملها ونتوجه بالتهاني الصادقة لرئيسها ولكل وزير فيها.
ثانياً: لقد تشكّلت هذه الحكومة في ظل صراع مرير على الحصص والأحجام والوزارات الدسمة أو القليلة الدسم، لكننا نأمل أن لا تنعكس صراعات ما قبل التشكيل على عمل الحكومة، وأن لا تكون نسخة عن الحكومة التي سبقتها. ذلك أنّ وضع البلاد، بل وضع المنطقة برمّتها لا يحتمل مثل هذا الترف والعودة إلى النقاش في جنس الملائكة فيما البلاد تغرق في الديون والمنطقة تشتعل بالحرائق. ولدينا ثقة بأنّ المسؤولين جميعاً يعون هذه المخاطر المحدقة بأوضاعنا.
ثالثاً: إنّ موقف الاتحاد من هذه الحكومة يتحدّد ليس فقط في ضوء بيانها الوزاري الموعود، بل بخطة كل وزارة من وزاراتها وفي السلوك العملي والأداء الفعلي سواء للحكومة بمجملها أو بكل وزارة مختصة. ذلك أنّ الحكومة التي نعتبرها مع فخامة الرئيس حكومة العهد الأولى وسماها رئيسها «حكومة إلى العمل» أمام تحديات ليس من المبالغة وصفها تحديات اقتصادية واجتماعية خطيرة إضافةً إلى التحديات السياسية الخارجية والداخلية.
ويرى الاتحاد العمالي العام أنّ الخلل الرئيسي الذي أصاب المجتمع اللبناني هو ذلك التشابك المريع بين احتدام وتعمّق الخلافات الطائفية والمذهبية وتقاسم المنافع والمغانم، وبين سيطرة الاقتصاد الريعي المصرفي والمالي والعقاري على البلاد على حساب الضمور المتزايد في دور قطاعات الإنتاج الحقيقي للسلع من صناعة وزراعة ومعرفة وسياحة الخ... ما أدى إلى تعميم البطالة في المدن والأرياف وبين العمال وطالبي العمل بشكلٍ لم يسبق له مثيل من قبل. فضلاً عن المديونية الهائلة التي وصلت إلى 150% من قيمة الإنتاج المحلي.
إنّ السياسات التي اتبعت منذ أكثر من عشرين عاماً أخلّت إخلالاً خطيراً في «العقد الاجتماعي» الذي يفترض أن يرعى المجتمع. وفي غاية البساطة فإنّ مفهوم العقد الاجتماعي الذي ترعاه «دولة الرعاية» يفرض موجبات على المواطن بتسليم الأمن للدولة ودفع الضرائب والرسوم مقابل تأمين الحقوق الأساسية للمواطن. وفي مقدّم هذه الحقوق: الحق بالعمل اللائق والأجر العادل وتصحيح الأجور عن طريق السلم المتحرك السنوي، والحق بالسكن الصحي، الحق بالتعليم المجاني، الحق بالصحة والرعاية الاجتماعية وضمان الشيخوخة وبالنقل العام، وسوى ذلك من الحقوق الأساسية. وإننا ننتظر من هذه الحكومة، بل نرى من واجبها أن تبدأ بحوار ثلاثي لوضع «عقد اجتماعي» جديد يضع هذه الحقوق في مقدمة بيانها الوزاري، سيما وأنّ هذه الحكومة قد تبقى لأربع سنوات قادمة.
رابعاً: إننا ننظر بعين الريبة لما سمّي رؤية اقتصادية جديدة (خطة ماكينزي) وكذلك لمقررات وتوجهات مؤتمر «سيدر 1» خصوصاً وأنّ تلك الخطة وكذلك المقررات لم تناقش معنا كما يجب في الاتحاد العمالي العام، وتشيران في مضمونهما إلى تصفية القطاع العام تحت عنوان أنّ الدولة رب عمل فاشل أو تحت إسم الشراكة بين القطاعين العام والخاص. في وقت تتجاهل فيه مآل الشراكة التي نتجت مع «سوكلين» وأخواتها أو مع مقدمي الخدمات في قطاع الكهرباء وما نتج عنه من تراجع خطير وأكلاف مرهقة للخزينة والمواطن. ومن هنا من الواجب تفعيل واحترام قرارات الهيئات الرقابية وإشرافها على كل أبواب الإنفاق. وكذلك ندعو الى الاسراع في الاستفادة من الثروات النفطية والغازية والمائية المهدورة.
خامساً:إننا نطالب الحكومة مجتمعة، وبعدها اللجان النيابية المتخصصة وكذلك الوزارات المعنية بالنظر إلى البعد الاجتماعي في كل مشروع وتأثيره على شروط العمل والرعاية الاجتماعية وحماية وإصلاح القطاع العام، وكذلك إلى توزيع الخسائر الناتجة عن المديونية العامة التي تفوق المائة مليار دولار وتحصيل المردود وإعادة التوازن من الضريبة التصاعدية على الأرباح والممتلكات والإقلاع عن استسهال فرض الضرائب على المفقرين وذوي الدخل المحدود ومنهم العمال والموظفين والتهديد بزيادة فاتورة الكهرباء وإضافة خمسة آلاف ليرة على صفيحة البنزين ورفع ضريبة القيمة المضافة ومد اليد على السلسلة وحقوق المتعاقدين والمتقاعدين... وسوى ذلك من سياسات الإفقار وزيادة الفروق الاجتماعية والهجرة والبطالة.
أخيراً إننا نأمل بصدق أن يلقى برنامجنا المطلبي ومطلبنا بالعقد الاجتماعي الصدى الضروري والواجب لدى حكومتنا الجديدة وأن يكون الحوار وليس الشارع مركز المواجهة. ونحن بانتظار البيان الوزاري نتمنى لهذه الحكومة كل النجاح والتوفيق في مهامها.
الرئيس
د. بشـارة الأسمـر