كلمة رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان الدكتور بشارة الأسمر
في ندوة الحزب التقدمي الاشتراكي حول الخصخصة والشراكة
بيروت – مركز الحزب التقدمي الاشتراكي – الخميس 15/11/2018
- أيها الرفاق الأعزاء،
- الحضور الكريم،
إسمحوا لي أن أتقدّم بالشكر الصادق لقيادة الحزب التقدمي الاشتراكي رئيساً وكوادر وأعضاء ونواب ووزراء على اهتمامهم بتعميق الصلة والتعاون مع الاتحاد العمالي العام، هذا الحزب الذي لم تكن من المصادفات إعلان تأسيسه في الأول من أيار – عيد العمال العالمي وما يرمز إليه هذا الربط من معاني.
وكان من الآثار الايجابية لهذه العلاقة بين الحزب والاتحاد المشاركة الفعّالة مؤخراً في قيادة الاتحاد العمالي العام بشخص الرفيق أكرم عربي فضلاً عن الزيارات المتبادلة والمناقشات القيّمة التي تمّت بين قيادة الاتحاد ونواب ووزراء الحزب وجبهة التحرر العمالي في أكثر من مناسبة وفي شؤون اجتماعية واقتصادية مختلفة.
أيها الرفاق والأصدقاء،
يكاد الحزب التقدمي الاشتراكي أن يكون الوحيد بين الأحزاب اللبنانية وبالتعاون مع رابطة أصدقاء كمال جنبلاط الذي يقتحم بجرأة ومسؤولية جملة من الأزمات العميقة التي تضرب البلاد والمجتمع من معضلة الكهرباء وأثرها المدمر على الاقتصاد والناس إلى موضوع التعليم الخاص والى قضية الإسكان والنقل وصولاً اليوم إلى طرح قضية غاية في الأهمية الراهنة والاستراتيحية خصوصاً بالارتباط مؤتمر «سيدر 1» وفي ضوء خطة «ماكينزي» أي موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
أيها الرفاق والأصدقاء،
يعود تاريخ هذا القانون «المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة» إلى العام 2007 خلال حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى، عندما أعد وزير المال في حينها جهاد أزعور مشروع قانون مع الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة الأستاذ زياد الحايك وعدد من مستشاري الرئيس السنيورة عن إطلاق عمليات الخصخصة دون العودة إلى أحكام الدستور وقوانين الأملاك العمومية ونقل الاحتكارات ومنح الامتيازات، وأرسلته الحكومة إلى المجلس النيابي الذي رفض تسلمه آنذاك بسبب الخلاف بين فريقي 8 و 14 آذار. ومع تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى عام 2009 أعاد النائب علي حسن خليل تقديم اقتراح القانون نفسه حيث تألفت لجنة وزارية لدراسته عام 2010 ولم يعترض عليه سوى الوزيرين ابراهيم نجار وشربل نحاس حيث قدّم الوزير نجار نسخاً عن قوانين الشراكة الفرنسية والبريطانية والأميركية أردفها برسالة يطلب فيها من واضعي المشروع قراءة نصوص القوانين نظراً للفروقات الجوهرية في تعريف الشراكة ولمخالفته أحكام الدستور والقوانين النافذة.
وإذ أترك للأستاذ زياد الحايك شرح معنى أن يترك للوزير المختص وللمجلس الأعلى اقتراح المشاريع المشتركة التي يبتها المجلس الأعلى للبحث في إمكانية تنفيذها ومدى اهتمام القطاع الخاص بها. ونحن في بلد تتداخل فيه سلطة المال مع السلطة السياسية بشكل عضوي وخطير!!. لكن في تعريف المشروع أساساً تعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص ويحدد المشروع الذي بات قانوناً تحت الرقم 48 الصادر في الجريدة الرسمية في العدد 42 تاريخ 14/9/2017 مدّة المشروع أو الاستثمار ب 35 عاماً تعود بعدها ملكيته الى الدولة أو لشراكة أخرى على أن تشمل عمليات الشراكة المشاريع ذات الطبيعة الاقتصادية ويسهم فيها القطاع الخاص بالتمويل والإدارة الخ...
ومشروع الشراكة الذي سيصبح حكماً مدخلاً إلى الخصخصة الكاملة في تقديرنا ظهر في تسعينات القرن الماضي كرد فعل على فشل سياسات الخصخصة وهي سياسات يعاد النظر فيها راهناً في أكثر الدول الرأسمالية ثم باتت الشراكة أحد أبرز توصيات المؤسسات الدولية للدول الضعيفة اقتصادياً لنقل الثروة إلى القطاع الخاص باعتبار ذلك ثمناً ضرورياً لمعالجة التقصير والمشاكل في البنى التحتية والخدمات العامة.
حتى لو كان هذا الثمن يرتّب أكلافاً كبيرة لا تنحصر بالكلفة الأعلى على تنفيذ المشاريع عبر الشركات الخاصة بالمقارنة مع كلفة تنفيذها عبر القطاع العام.
الرفاق والأصدقاء،
تجارب غير مشجعة
عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص موجودة في لبنان قبل إقرار القانون وأغلب النماذج المعمول بها أثبتت عدم نجاحها وهدرها الأموال العامة دون أن تحقّق أي منفعة، مثل العقود مع سوكلين وشركات الخليوي ومقدمي الخدمات في الكهرباء وصيانة الكهرباء واستثمار المواقع الطبيعية (مغارة جعيتا) والسوق الحرة في مطار بيروت وغيرها... حيث تعدّ تكلفتها الأعلى في العالم مقابل خدمات لا توصف بالأفضل إذا لم نقل أكثر من ذلك!!.
فالخصخصة والشراكة كوجه آخر وكمقدمة لها لا ننصح بها على الأقل في الوقت الراهن حيث البلد يسوده الفساد والفوضى وقد تتحوّل حكماً إلى محسوبيات وصفقات لا تنتهي. وحيث ينتهي الأمر بأنّ أملاك الدولة طارت دون مقابل مناسب والأفضل حالياً البدء بالإصلاح السياسي ثم الإداري قبل القيام بهذه المغامرة ربما المحسوبة!.
ثمّ إنّ الآلية المقترحة للشراكة مع القطاع الخاص لن يتم عبر دفتر شروط ترسل إلى إدارة المناقصات فما سيحصل أنّ كل مؤسسة عامة أو بلدية أو وزارة تريد تنفيذ أعمال ومشاريع ما، ستطرحها من خلال الوزير المختص أو عبر المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة وتقدّم الشركات عروضاً مختلفة، يختار المجلس الأعلى العرض الأفضل من بينها ويوافق عليه مجلس الوزراء وهذا ما يطرح عدّة نقاط استفهام من جهة المحسوبيات ونوعية العمل الذي ستقدمه الشركات الخاصة.
إضافةً إلى كلّ ذلك، سوف تكون المصارف من ابرز المستفيدين من تطبيق هذا القانون فمن خلاله تستطيع تسييل جزء من الودائع المتراكمة لديها عبر تمويل القطاع الخاص لقاء فوائد أعلى من سندات الخزينة بينما يعد العامل والمواطن من ذوي الدخل المحدود المتضرر الأكبر نتيجة انعكاس هذه العقود على أسعار الخدمات التي ستقدّم، كون الفوائد على القروض الممنوحة هي أعلى ولأنّ هامش ربحية القطاع الخاص أكبر من هامش ربحية الدولة.
بالإضافة إلى كلّ ذلك فإنّ القانون لا يذكر أي شيء يتعلق باليد العاملة اللبنانية، ففي قانون النفط مثلاً يحدد نسبة 80% من العمال اللبنانيين فأين هي النسب في قانون الخصخصة والشراكة؟
خلاصة
إننا كإتحاد عمالي عام نطالب بإعادة النظر في هذا القانون وفقاً للتحفظات المذكورة أعلاه وللأسباب الإضافية التالية:
• تحت عناوين أن الدولة مواردها المالية قليلة، وأن الحاجة الوطنية لتحديث البنى التحتية والإقتصادية باتت ملحة، بالإضافة الى دعم المؤسسات الدولية، أصدر المشرع اللبناني قانوني الخصخصة والشراكة، حيث يسمح لسيطرة القطاع الخاص على المؤسسات والمشاريع ذات المنفعة العامة، ومما يحوّل القطاع العام تدريجيا الى أداة بيد القطاع الخاص، وكل ذلك بدون القيام بالإصلاحات اللازمة أو أقلها التي طلبتها مؤتمرات باريس الثلاثة ونحن على ابواب الرابع، ذلك أن السلطة السياسية تعترف بالفساد المستشري في المؤسسات من دون التحرّك للجمه، مما يولد مناخات فاسدة لصالح مشاريع مشتركة بتكلفة باهظة، وهذا أمر ما زال صندوق النقد الدولي ينبّه له مرارا وتكرارا.
• تهدف هذه الشراكة إلى إخفاء الزيادة التي ستطرأ على الدين العام، وتمنح امتيازات وتلزيمات وعقوداً للقطاع الخاصّ خلافاً لأحكام الدستور والقوانين المرعية، ويقضي بتخلي الدولة عن كامل الأشغال والمشاريع التي تقوم بها، ويجيّر صلاحيّات واسعة تعود إلى مجلس النواب إلى الحكومة، كما ينقل صلاحيات من مجلس الوزراء "مجتمعاً" إلى المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة، ويعزز صلاحيات رئيس مجلس الوزراء على حساب صلاحيات الوزير المعني، ويلغي الدور الممنوح قانوناً لإدارة المناقصات في عقد الصفقات العموميّة، ودور الهيئات المنظّمة للقطاعات المختلفة.
• تأتي هذه المشاريع لإطلاق عجلة النمو وللتخفيف من مشكلة البطالة، وللتذكير أن نسبة البطالة تخطت ال35% في لبنان بالإضافة لمشكلة الفقر فبات مليون ونصف لبناني يعيشون تحت خطّ الفقر.
ومن هنا ضرورة التشديد على توظيف اللبنانيين للإستفادة مادياً بغية المساهمة في تنشيط الحركة الإقتصادية وللحد من مشكلة البطالة.
• بدلاً من تشجيع القطاع الخاصّ للقيام بمشاريع استثماريّة تساهم في مراكمة المزيد من رأس المال وخلق فرص عمل وزيادة المداخيل وتحرّك الدورة الاقتصاديّة يتعمّد القانون التركيز على نقل السيطرة على رأس المال الموجود أو المتاح من الدولة إلى القطاع الخاص، وذلك بهدف مساعدة المصارف على توظيف سيولتها المتراكمة بعدما باتت الموجودات المصرفية تتجاوز نسبة 400% من مجمل الناتج المحلي.
أخيراً أتقدّم مجدداً بالشكر الجزيل من الرفاق في الحزب التقدمي الاشتراكي ليس فقط لدعوتنا للمشاركة في هذه الندوات المتخصصة البالغة الأهمية بل، كذلك لاقتحامه بجرأة حقل الألغام الاجتماعية والاقتصادية بعدد من المفكرين والخبراء المختصين بغية العمل على تفكيك هذه الألغام وآمل بصدق أن ننجح معاً في هذه المهمة الشاقة.
وشكراً لكم جميعاً.
الرئيس
د. بشـارة الأسمـر