كلمة نائب رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان
النقابي حسن فقيه
الهرمل – بعلبك – الأحد في 7 أيار 2017
أيها الحفل الكريم،
يسعدني أن أقف بينكم اليوم في هذه الذكرى المجيدة – ذكرى شهداء أول أيار 1886 في شيكاغو الذي تحوّل إلى عيد عالمي لعمال العالم أجمع.
ويشرفني أن أتحدث إليكم اليوم باسم الاتحاد العمالي العام في لبنان الذي أنجز مؤخراً انتخابات قيادية في صفوفه والتي حملت بعضاً من التجديد والجديد في هيئاته التي نأمل أن تحمل تحولاً فعلياً في الرؤيا والبرنامج والأداء والتمثيل الحقيقي لمصالح العمال ومختلف فئات الأجراء في المدن والأرياف اللبنانية.
أيها الأخوات والأخوة،
إنّ هذا الاحتفال اليوم هو جزء من احتفالات أحياها عمال وعاملات لبنان في بيروت وصيدا والنبطية وصور وطرابلس ومختلف المناطق اللبنانية وهي احتفالات تشكل ليس فقط لتكريس التذكير بشهداء سبقونا وقدموا لنا المثال من شهيدة عمال الريجي وردة بطرس إلى شهداء مزارعي التبغ حسن حايك ودرويش نعمة غالى سواهم من عمال غندور في سبعينات القرن الماضي، إنما أيضاً للتوقف أمام محطات نقابية نضالية نتطلع فيها كعمال ونقابات إلى حياة حرة كريمة.
وإذا كان للتاريخ رمزيته في هذه الذكرى، فإنّ للجغرافيا أيضاً بالغ الرمزية.
ذلك أنه يعني لي كثيراً كمسؤول في الاتحاد العمالي العام وكرئيس لاتحاد فئة من نقابات المزارعين اللبنانيين، أي عمال التبغ والتنباك أن يحتفل عمال هذه المنطقة من لبنان، منطقة الهرمل بهذه الذكرى المجيدة. هذه المنطقة التي كأنما ألحقت مطلع القرن الماضي ليتشكل لبنان الكبير لتضيف إليه مصدراً ليدٍ عاملة رخيصة وحزاماً من أحزمة البؤس حول العاصمة بيروت ومحافظة مهملة ومهمشة ومنسية لولا إعادتها على الخريطة من قبل الراحل فؤاد شهاب والقائد المغيّب الإمام موسى الصدر في وقت من الأوقات.
وبينما تختزن هذه المنطقة بشبابها وشاباتها وعمالها ومزارعيها وعشائرها الكريمة ونقابات العمال فيه أرفع القيم وأغناها ورفدها للمقاومة في مواجهة العدو الإسرائيلي والتكفيريين بأغلى الشهداء لا تزال عرضة كمختبر للتجريب لزراعات بديلة ومشاريع وهمية وكاذبة تسببت ببطالة حادة وفقر مدقع وما نتج عنه من مشكلات اجتماعية أدّت في مراحلها الأخيرة إلى وجود مئات الآلاف من مذكرات جلب لأبنائها وشبابها من جهة والى استنفار جميع قوى المجتمع الحية للدعوة إلى إضرابات لوضع حد للفلتان الأمني من جهة والى العفو العام المدروس من جهةٍ أخرى.
الأخوات والأخوة الأعزاء،
إننا كإتحاد عمالي عام من واجبنا أن نعيد محاولة تصويب الأمور وردّ المشكلات إلى أساها والدعوة إلى مواجهتها بشكلٍ واضح وبعيداً عن المشكلة القائمة حول إنجاز قانون عادل للانتخابات النيابية الذي يعني لنا مفهوم العدل فيه تمثيل مصالح العمال ومصلحة الشباب والنساء في مواجهة المحتكرين، فإننا نرى أنّ الصراع القائم ليس سوى بين قلّة قليلة من الريعيين والمستوردين وممثلي الأملاك العامة وأصحاب الرساميل الأجانب التي تقوم مصالحها بعيداً عن الاقتصاد المحلي وتتهاوى فيه الأجور من 50% قبل الحروب الأهلية إلى ما يقارب ال 20% اليوم وترتفع فيه المديونية العامة إلى 120 مليار دولار أي حوالي 230% من حجم الاقتصاد المحلي وتتحوّل الأسر المقيمة إلى الاقتراض من المصارف بنسبة 120 ألف قرض سكني و 700 ألف قرض شخصي مدني إلى حوالي 500 ألف يعمل في الخارج بينما أكثر من 50% من العاملين هم خارج العمل النظامي أي من دون أي رعاية اجتماعية!!!
وإذا كان للأرقام دلالة، فهذا يعني أنّ كل الشعب اللبناني هو رهن المصارف، سوى أصحاب المصارف وأبنائهم وحدهم.
أيها الأعزاء،
لا تميّز الطائفة بين الناس حيث تبيّن تقديرات مصرف «كريدي سويس»أنّ 13% أي صفر فاصلة ثلاثة بالمائة فقط من الراشدين في لبنان يستحوذون على نسبة 48% من ثروة السكان وأنّ نسبة 0.05% يستحوذون على ثلث هذه الثروة وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإنّ نسبة 1% من الحسابات المصرفية تستأثر بنصف الودائع في البنوك وأنّ نسبة 0.01% من الحسابات من مجمل الودائع.
إنها أيها الأخوات والأخوة حقائق دافعة لا يفيد معها خطاب سياسي منمّق يذهب بعقولنا بعيداً في دغدغة طائفية أو مذهبية فالواقع والوقائع يطرح أسئلة ومهمات نقابية في آنٍ معاً. وأول تلك الأسئلة لماذا هذا الهجوم على ما تبقى من مكتسبات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وما تضمنه مشروع الموازنة من تعديل في المادتين 54 و 68؟
ولماذا هذا التجاهل المستمر لإقرار المطلب التاريخي للعمال وللاتحاد العمالي العام بإقرار ضمان الشيخوخة؟
ولماذا هذا التجاهل لتصحيح الأجور رغم الاتفاق على تصحيحها السنوي منذ العام 2012؟
وماذا عن السياسة الاستشفائية وتمكين المستشفيات الحكومية من أداء دور متقدّم ورائد بدل الإنفاق المشبوه على القطاع الخاص؟
ولماذا كل هذا الإهمال للتعليم الرسمي من الجامعة اللبنانية إلى مختلف مراحل التعليم والإهمال المقصود؟
وكيف نفهم هذا التمادي في المراوغة في إقرار سلسلة الرتب والرواتب للمعلمين والعسكريين وموظفي الإدارة العامة؟
وأين هي السياسة النفطية العامة التي أدخلت في نفق السياسات المذهبية والطائفية فيما العدو الإسرائيلي أول المستفيدين منها؟
وأين ذهبت سياسة النقل والانتقال وبناء طرقات وجسور وأنفاق جديدة تسهم في التنمية الريفية والمناطقية وتحدّ من النزوح من المناطق إلى ضواحي المدن؟
ولماذا تجاهل نداء الاتحاد العمالي العام ولجان الدفاع عن المستأجرين بوضع خطة إسكانية وسكنية وطنية تمنع الفرز الديموغرافي واستيلاء الشركات العقارية على ما تبقى من الأحياء الشعبية؟
الصديقات والأصدقاء الأعزاء،
إنها أسئلة يطول الكلام فيها وعنها، وأنا أقول بصدق ووضوح أنّ الإجابة عليها لن يكون إلاّ بالحوار معكم ومع جميع عمال لبنان وبوضع برنامج ملموس وممكن التنفيذ. والسلام عليكم.
************