مداخلة السيد حسن فقيه
نائب رئيس الاتحاد العمالي العام / رئيس اتحاد نقابات مزارعي التبغ والتنباك في لبنان
خلال الندوة العمالية للتنظيم الشعبي الناصري
مدينة صور – الأحد في 12 آذار 2017
باسم الله
- الأخ والصديق العزيز الدكتور أسامة سعد – أمين عام التنظيم الشعبي الناصري.
- الأخوة والزملاء النقابيين والعمال،
- السيدات والسادة،
- أيها الحفل الكريم،
يشرفني ويسعدني أن أجد نفسي اليوم بينكم في هذه الندوة المتخصصة حول حقوق وواجبات العمال بدعوة كريمة من الأخوة المناضلين في التنظيم الشعبي الناصري وبرعاية طيبة من أمينه العام.
ويعني لي كثيراً على المستوى الشخصي والوطني والنقابي خصوصاً أن يصادف انعقاد هذه الندوة غداة الاحتفالات التي نظّمت في إحياء ذكرى كبير المناضلين نصير العمال والصيادين والمفقرين المناضل الوطني الكبير والذي أعطى جزءاً من عمره أيضاً من أجل فلسطين الشهيد معروف سعد الذي خلف باستشهاده بيتاً مناضلاً وارثاً صيداوياً وجنوبياً ووطنياً نعتزّ به ونفتخر على الدوام.
كما يعنيني أيضاً، أن أتحدّث عن الحقوق العمالية خاصةً في هذه المدينة المناضلة الأبية على مدى التاريخ، المدينة التي انطلق منها الإمام المغيّب مع رفاقه السيد موسى الصدر الذي أطلق صرخة المحرومين وتنظيمهم وأسس ودفع بالروح الكفاحية بينهم. فتحية لهذه المدينة العريقة وأهلها وعمالها وصياديها وتحية لإمامها المغيّب ورفاقه أعاده الله إلينا جميعاً بالسلامة بعد طول الغياب.
السيدات والسادة الأعزاء،
لن أتوقّف طويلاً أمام الوضع السياسي والأزمة التي تتخبط فيها الطبقة الحاكمة التي يتمسك معظم أطرافها بالمحاصصة الطائفية والمذهبية تحت شعارات الميثاقية وحقوق الطوائف. تلك الشعارات والممارسات والسياسات التي لم تنتج سوى حروب متناسلة منذ العام 1860 إلى يومنا هذا. وما الامتناع عن قبول قانون النسبية على المستوى الوطني وفتح كوّة في الجدار الطائفي المتحكّم بأحوال البلاد والعباد سوى تعبيراً وقحاً عن سياسة الاستئثار والإمعان والاستغلال وجني الثروات في تجارة الطائفية الرائجة والرابحة للشرائح العليا من الطبقة السياسية التي تشكّل في معظمها واجهة للمصارف الكبرى والبيوتات المالية والشركات التجارية وكبار المستوردين وتجار العقارات... الخ وأريد أن أقول من البداية، وقبل التحدث عن حقوق وواجبات العمال أنه إذا لم نخلق ثغرة في هذا الجدار الطائفي والمذهبي باتجاه التغيير من خلال قانون ديموقراطي للانتخابات النيابية قائم على النسبية على المستوى الوطني ويعكس تمثيلاً صحيحاً وسليماً لمختلف الشرائح الاجتماعية من عمال ومزارعين وينتصر لحقوق المرأة وينتج حياة سياسية وتشريعية متقدّمة تراعي روح العصر فسوف يبقى الكلام عن الحقوق ناقصاً وستبقى فئة من المجتمع من أصحاب الثروات الخيالية متحكّمة في حياتنا ومستقبل بلدنا وأبنائنا.
الأخوات والأخوة الكرام،
تقام هذه الندوة عشية انتخابات جديدة في الاتحاد العمالي العام ستجري يوم الأربعاء في 15 آذار الجاري. نسعى من خلالها ما أمكن الى إحداث تغيير في الأشخاص والبرنامج والرؤية والممارسة. وأقول ما أمكن لأنه للأسف فإنّ المفاهيم الطائفية والمذهبية باتت تؤثّر حتى بالعمال والموظفين رغم أنها معادية ومدمّرة لمصالحهم. فمتى كان رغيف الخبز وسرير المستشفى ومقعد الدراسة له لون طائفي. وأنطلق من ذلك لأعترف بأننا نحن في الاتحاد العمالي العام وبما في ذلك أحزابنا وتنظيماتنا نتحمّل مسؤولية أساسية لا تنفع معها التبريرات ولا يجدي معها سوى الاعتراف بالتقصير في اجتراح أشكال المواجهة ورفع مستوى التنظيم والممارسة الديموقراطية وانتهاج سياسة التغيير والدفع بالشباب والنساء والقوى الحية إلى تحمّل المسؤوليات القيادية والبحث عن نقاط الضعف لإقفالها والاستناد إلى نقاط القوة ومجتمعنا لا تعوزه الإرادات والعزيمة بين العمال ومختلف فئات الأجراء ولنا في الشهيدة وردة بطرس في «الريجي» وحسن الحايك ورفاقه من مزارعي التبغ والشهيد معروف سعد وشهداء معمل غندور في سبعينيات القرن الماضي أمثلة ونماذج تنير دربنا.
السيدات والسادة،
لندخل في الموضوع مباشرةً وإذا كان الكلام عن واجبات العمال فإنهم وبصراحة تامة غير مقصرين فيها لا في مصانعهم ومعاملهم ولا في المؤسسات الزراعية ولا قطاعات الصحة والتعلم والإدارة وسواها. وإذا وجد من تقصير فستكون أسبابه التقصير في الحصول على الحقوق كما في سلسلة الرتب والرواتب التي جعلت منها الطبقة السياسية قضية «إبريق الزيت» منذ أكثر من خمس سنوات. فما الذي يدفع العامل أو الموظف للإضراب والتظاهر والاعتصام سوى الانتقاص من حقوقه؟.
ولنتحدث قليلاً عن الحقوق وهي كثيرة جداً ومغبونة جداً جداً!!
هل نتحدث عن الحق بالأجر العادل والعمل اللائق؟
هل نتحدث عن شرعة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي تؤكّد على الحق بالعمل؟
أم نتناول الحق الطبيعي بالسكن الصحي؟
أو الحق بالصحة والتعليم المجاني؟
أو التقاعد والحماية الاجتماعية؟
في باب الأجر ينص قانون العمل اللبناني على ضرورة أن يكون الحد الأدنى للأجور كافياً لتغطية الحد الأدنى من احتياجات العامل والموظف (الأجير) في المأكل والمشرب والسكن بما يحفظ كرامته مع أسرته. فأين نحن من هذا الحق والحد الأدنى للأجور وبعد نضال مرير عامي 2011 و 2012 ارتفع إلى 675 ألف ليرة ولا يزال متوقفاً عندها منذ خمس سنوات على الرغم من اتفاق موقع مع أصحاب العمل والدولة والاتحاد العمالي العام يقضي بتصحيح سنوي للأجر مقابل ارتفاع كلفة المعيشة.
إنّ الحد الأدنى للأجور، بل حتى متوسط الأجور حسب دراسات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا تكفي لتسديد بدل إيجار سكن أقل من عادي لأسرة من خمسة أشخاص في أي ضاحية من ضواحي المدن. ويبقى النقل والانتقال والغذاء والدواء والتعليم وهو آفة الآفات وإذا أضفت إليها البطالة السافرة التي تجمع الإحصاءات أنها تخطت 25% وبين الشباب أكثر من 40% ومعظمهم من خريجي الجامعات والكليات والمعاهد والثانويات ممن لم يجدوا درباً للهجرة!.
ويسألونك عن تفشي الجريمة والمخدرات وباقي الأمراض التي تصيب مجتمعنا أوليست تلك مسؤوليتكم فكيف من لا يتعدى دخله اليومي 30 ألف ليرة عليه أن يدفع الضريبة لتغذية خزينة الدولة، ومن يتجاوز دخله اليومي عشرات، بل أحياناً مئات ألوف الدولارات يتهرّب من الضريبة؟
كيف يكون هناك عدل في توزيع الثروة وواحد بالمائة أو مئة عائلة لبنانية فقط تستحوذ على موجودات خمسين بالمائة من المصارف اللبنانية. والله وحده يعلم موجودات هذه الفئة في المصارف الأجنبية؟.
هل نتحدث عن شرعة حقوق الإنسان والحق بالسكن مع إقرار قانون جديد للإيجارات صنعه أصحاب الملكيات العقارية الكبرى بهدف تهجير مئات الألوف من الأسر الفقيرة من عمالية وغير عمالية والإمعان في الفرز الطائفي والمذهبي وغلق المساحات الوطنية المشتركة في العيش المشترك الذي يتغنون به، واستبدال الأحياء التراثية والشعبية التي تشكّل معالم الحضارة المدنية إلى أسواق ومولات خاوية مثل قلب البلد في بيروت الذي تحوّل إلى منطقة هجينة سميت «سوليدير» بدلاً من المدينة!!
والكلام عن الحق بالتعليم ونحن لا نتحدث هنا عن مطالب بل عن حقوق نصّت عليها جميع الاتفاقيات والشرائع ودخلت في الفقرة ي من مقدمة الدستور اللبناني الذي تبنّى شرعة حقوق الإنسان. فالتعليم حق. لكنّ الوضع في لبنان تعليم غني للأغنياء وتعليم فقير للفقراء.
وما تدمير المدرسة الرسمية والجامعة الوطنية سوى تعزيز للتحكم بمقدرات البلاد وبمنتجات العلم الحديث لفئة مستأثرة. ولولا وجود الاتحاد السوفيتي السابق والدول الاشتراكية والجامعات السورية والجزائرية التي كانت تمنح أولاد الفقراء فرصاً للتعليم العالي لما وجدنا اليوم بيننا طبيباً أو مهندساً أو صيدلياً. أولا يدفع اللبناني اليوم أكثر من نصف دخله السنوي بدلاً لتعليم أولاده على الأقلّ في المتوسط العام؟.
هل نتحدث عن الحق بالصحة من استشفاء ودواء وطبابة ونحن نسمع كل يوم ونرى على شاشات التلفزة أطفالاً وشيوخاً وشباباً يموتون، نعم يموتون على أبواب المستشفيات؟ ألا يحتكر مستوردو الدواء هذه الحاجة التي تحوّلت إلى سلعة يحدّدون سعرها ونوعها وحدهم في ظل الافتقار إلى صناعة دواء وطنية؟ ثم ألا يتجاوز العديد من الأطباء «المشهورين» كلفة المعاينة الرسمية لتصل إلى 100 و 150 دولار؟ وبأي حق؟ وأين الخطة الوطنية للنقل والسياسة النفطية الإستراتيجية والمصافي في الجنوب والشمال شبه مقفلة وتجار النفط يتحكمون في هذا الشريان الحيوي والطرق محفّرة لا يشفق عليها ذوو الشأن إلاّ عشية الانتخابات النيابية وأحياناً البلدية؟
إنها أسئلة مقلقة. وهي أسئلة حقيقية يعرفها كل مواطن ويدفع ثمنها كل يوم.؟ وما من جواب جاهز عليها. ولا وصفة مطابقة للمواصفات لها.
الجواب عندكم. عند العمال ، عند الموظفين، عند النقابيين الحقيقيين، عند القوى السياسية التي انحازت إلى جانب المهمشين والفقراء والمعطلين عن العمل.
الجواب لا يكون إلاّ بالتنظيم النقابي والتغيير بالنقابات لن يكون إلاّ بالانتساب إليها والانخراط في عملية إنتاج القيادات الجديدة والشابة والملتزمة بمصالح من تمثّل عمالاً ومزارعين وموظفين وسائقين وصيادين.
إنّ أبرز المعارك وأهمها بعد التغيير السياسي من خلال قانون منصف وعادل وديموقراطي للانتخابات النيابية هو العمل الدؤوب من دون أي اعتبار آخر لفرض إقرار «ضمان الشيخوخة» أي نظام التقاعد والحماية الاجتماعية ولن يحصل تحقيق هذا المطلب التاريخي الذي أطلقته النقابات في لبنان منذ تأسيس الضمان الاجتماعي إلاّ بهمتكم ووعيكم ورفع مستوى تنظيمكم.
شكراً لراعي الندوة، الصديق العزيز الدكتور المناضل أسامة سعد. شكراً لحضوركم واستماعكم. وأنتظر مداخلاتكم الغنية التي سوف نسترشد بها في عملنا بكل تأكيد. والسلام عليكم.
*************