بقلم : سعد الدين حميدي صقر
أمين عام الإتحاد العمالي العام في لبنان
البلدان العربية في معظمها غارقة في الدماء. مخاطر التمزق والتقسيم باتت قائمة. الصراعات المذهبية تحتدم كما لم تصل إليه في أي وقت. الإقتصادات تدمّر والمجتمعات تتفتت إلى قوميات وأثنيات وفرق وطوائف. إسرائيل تتفرّج وتحقق أهدافاً لم تحققها في جميع حروبها ضدنا.
النزوح البشري إلى الخارج وفي الداخل بالملايين والأطفال والنساء يتسكعون في شوارع المدن وساحات القرى. والجريمة إلى تفاقم قلّ نظيره. البطالة إلى أرقام خيالية في أكثرية أوطاننا والعمل الهامشيّ وغير النظاميّ هو المسيطر. والحريات العامة إلى المزيد من الضمور فيما السلطات إلى المزيد من الإستبداد واستنفار العصبيات البغيضة من بطون التاريخ. القوى الظلامية والتكفيرية تتمدّد بإسم الدين وتسيطر على العقول وتحرق الحضارات وتهدد المستقبل.
ليست هذه جميع جوانب الصورة السوداء والبائسة.
فالبترول يتدفّق من باطن الأرض العربية باتجاه الغرب بأبخس الأسعار بينما تحرم معظم مدننا العربية من نور الكهرباء ونعمة الطاقة وحتى مياه الشرب!!!.
الشركات الغربية الكبرى تتحكّم في إقتصادنا مع حفنة من الحكام والشركات المحليين من وكلاء رأس المال العالمي تحت مسميات العولمة والخصخصة والتجارة الدولية الحرّة وإقتصاد السوق. بينما خطط التنمية والتعليم والتشغيل في بلادنا في سبات عميق.
كل ذلك وحركتنا النقابية العمالية العربية تذهب إلى موتها السريري بفضل قياداتها الراهنة بكل " طمانينة ".
لانستثني أحداً، كلنا مشاركون في هذه الجريمة. كلنا مستقيلون من أبسط واجباتنا. كلّ منا يلقي المسؤولية على الأخر ويعفي نفسه.
لا زلنا نعيش على أمجاد الذين بات سحيقاً يعيش على أمجاد الموقف النقابيّ عام 1956 وموقفنا من العدوان الثلاثيّ على مصر. نعيش على جملة من الشعارات القومية ونشترّ كلاماً مكرراً ضدّ العدوان الإسرائيلي. كلاماً استهلكناه واستهلكنا.
نلتقي نحن النقابيون العرب في المؤتمرات والندوات والزيارات المتبادلة وننوح كالأرامل واليتامى.
لا فكرة جديدة، لا مبادرة قيّمة، لا مشروع، بل ولا وخزة ضمير.
الإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي جمعنا تحت مظلته بات خاوياً، مستقيلاً يعتاش على فتات تصريح من هنا وزيارة إلى هناك.
مقررات مجالسنا التنفيذية أشبه ما تكون بمقررات القمم العربية، فارغة وخالية من إرادة الفعل.
بتنا منذ زمن بعيد من دون شرعية، من دون إنتخابات دورية. نعتمد التأجيل، نراهن على الوقت والنسيان. تغطي على علاقاتنا الجماعية والثنائية لغة المجاملة والتكاذب والتحايل. نشيد بدور بعضنا بعضاً وكلنا يكذب.
أطلقنا قبل أقلّ من شهرين صرخة صادقة من على منبر "وكالة أنباء العمال العرب" وطالبنا، وقلنا أنّ علينا أن نجتمع الآن وفوراً وجميعاً وفي أي عاصمة عربية، أي مكان أو شارع وعلى قارعة الطريق وعلى جدول أعمال واحد. كيف نتعامل مع هذه المحنة الخطيرة؟. نجتمع بدون التوقف عند من هو مستقيل أو مجمّد أو مختلف في الرأي، جدول أعماله حدوده دم الأطفال وأجسادهم الممزقة، ووضع حدّ له. وقف تدمير مدننا وبلداتنا وحضارتنا وثقافتنا ومستقبلنا. إنتزاع استقلالية قرارنا النقابي الوطني القومي وحرية الموقف والعمل.
جدول أعمال يتضمن مبادرات ملموسة وعملية وقابلة للتنفيذ وواضحة تنطلق من أبسط هموم عمالنا الوطنية والقومية.
جدول أعمال يعيد الحياة لمؤسسات الإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الدستورية والتنظيمية ويرتكز إلى الديمقراطية وتداول المسؤولية. فهل تنقصنا الإرادة؟ هل ينقصنا الحلم أم تنقصنا الشجاعة؟.
لنبادر الآن وهنا فالوقت لم يفت بعد. والعمال العرب يستطيعون الكثير إذا ما توفرت لهم القيادة المنبثقة من صفوفهم والبرنامج الذي تنتجه إرادتهم وحقهم في الحياة الكريمة .