كلمة رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان الدكتور بشارة الأسمر
بمناسبة الانتصار الإلهي تموز 2006
ندوة ومنبر النقابي العالمي المقاوم
تحت عنوان: «فلسطين والقدس حياة الأمة»
الأوزاعي – 25/7/2018
تحية إكبار وإجلال إلى سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله الذي وصف انتصار المقاومة والجيش اللبناني وشعب لبنان في حرب تموز 2007 بأنه انتصار إلهي. إنه فعلاً انتصار الهي معمّد بالدمّ والعنفوان.
إنّ هذا التعبير يختزل تاريخ المجتمعات وتعلّقها بقيمها الدينية والإنسانية وبالأرض وبالحرية. فالله هو المنتصر على الشر وحزب الله المنتصر بقيم الإنسان والخير والكرامة والجمال. ولولا التمسك بهذه القيم لكانت البشرية ترزح حتى اليوم تحت نير العبودية ولما كان الاستعمار قد زال عن كل المستعمرات ونالت استقلالها ولما كانت انهارت امبراطوريات الشر. ولما خرج زعماء التحرر الوطني كرموز شاهدة على صنع التاريخ من جمال عبد الناصر في مصر إلى أحمد بن بيلا في الجزائر ونيلسون منديلا في جنوب أفريقيا. وأخيرهم وليس آخرهم سماحة السيد حسن نصر الله في لبنان وبينهم ومعهم الكثير من القادة والشهداء الكبار.
نعم، بهذا المعنى فإنّ وصف سماحته بانتصارنا على العدو في حرب تموز 2007 بل، وقبله في انتصارات 1982 و 1996 و 2006 هي انتصارات قيم الخير الإلهي على قوى العدوان والشر وهو وصف دقيق وصحيح.
لكن النصر الإلهي لا يأتي عفواً بل يكون اتحاداً وتلاقياً بين الإرادة الإلهية وإرادة الإنسان الحر المتشبث بالحق وبروح الإيمان والاستعداد للتضحية ولا يأتي إلاّ بالتخطيط والتدريب وبمعرفة نقاط ضعف العدو وإرادة كسر شوكته وكيّ وعيه حسبما يقول العدو نفسه.
وليفسّر لنا أحد كيف انتصرت الأسلحة الخفيفة والمتوسطة على أحدث دبابات في العالم (الميركافا) في وادي جيلو وبنت جبيل ومارون الراس وسواها من البلدات الجنوبية الصامدة؟.
وكيف انتصرت الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى على آخر ما توصلت إليه صناعة الطيران الحربي الأميركي (الأف 16) ومنعتها من تحقيق أهدافها السياسية رغم أنها أحدث آلات التدمير والقتل في العالم.
وكيف انتصر المقاتل الفلاح والعامل والموظف والطالب من أبناء الجنوب والبقاع وبقية مناطق لبنان على جحافل جيش يصف نفسه بثالث أو رابع جيش في العالم أجمع؟
وكيف صمدت غزة وأهلها في مواجهة جحافل العدوان؟ وكيف يواجه أهل القدس قطعان المستوطنين؟
إنها الحرب بين الحق والبطال، بين الاحتلال والمقاومة، بين جيش عدواني بلا قضية ضد شعب مؤمن بقضيته. وتاريخ الحروب من سبارتاكوس الذي قاوم العبودية حتى آخر بطل في المقاومة والجيش اللبناني شاهد على ذلك.
أيها السادة،
بين الكيان العنصري الصهيوني الذي أقرّ بالأمس القريب قانون «يهودية إسرائيل» ككيان فصل عنصري وبين المنظمات الإرهابية التكفيرية المتاجرة بالدين صلة رحم وقربى في المنشأ الفكري وفي المصالح المادية وفي عدائها لقيم الحق والخير والجمال. وما قام التنسيق بينهما سوى على هذه القاعدة.
وبين حق الشعب والدولة السورية في اختيار نمط تطورها وفي عدائها الواضح لإسرائيل ولكل أشكال التدخل الاستعماري وبين المقاومة اللبنانية ممثلة بشكل أساسي بحزب الله في لبنان وبالجمهورية الإسلامية في إيران وقوى التحرر في العالم شعوباً ودولاً وأحزاباً نشأ هذا التحالف التاريخي ليس لوقف العدوان على سوريا وحدها بل وعلى جميع الشعوب العربية وحركات وقوى التحرر فكان الانتصار العظيم معركة في «فجر الجرود» «وإذا عدتم عدنا».
وبالتنسيق والتكامل بين الجيشين اللبناني والسوري والمقاومة الوطنية اللبنانية على «داعش» وأخواتها وعلى كل الداعمين الإقليميين والدوليين لها.
ودارت المعارك من عرسال والفاكهة إلى دير الزور وحمص وحلب وإدلب والرقة، ومن بيروت إلى دمشق كانت المعركة واحدة ضد هذا الإرهاب وصولاً إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومشاعات الغجر والجولان ضد العدو الإسرائيلي الواحد.
ومن غزة ورام الله وكامل المدن والبلدات الفلسطينية تلاقت قوى المقاومة وإرادات التحرر والتحرير إلى اليمن والعراق إلى فنزويللا وكوبا وكل الشعوب المقهورة إلى بلدان في أفريقيا وآسيا وشعبوها المنهوبة تخاض المعركة اليوم ضد الامبريالية العالمية وقيم النيوليبرالية التي تحاول أن تحكم العالم بالحديد والنار والدولار الأميركي.
وها هو الشعب الفلسطيني يحمل راية المقاومة ويتفاعل ويتشارك مع المقاومة اللبنانية ويقاوم الحصار والقتل والسجن وينبت كل يوم أبطالاً جدد ويقدّم شهداء جدد ويُخرج من بين الألم زهرات جديدة مثل المناضلة الشابة السجينة عهد التميمي التي أضحت شوكة في عين الاحتلال الإسرائيلي المقيت.
نعم، إنّ فلسطين والقدس حياة الأمّة.
نعم إنها إرادة الشعوب التي تتكلّل بالنصر الإلهي.
ونعم دفعنا لشعوب عربية ثمناً غالياً منذ قيام الكيان الإسرائيلي الصهيوني على ارض فلسطين بدعم من قوى الاستعمار القديم منذ وعد بلفور المشؤوم واتفاقية سايكس بيكو اللعينة إلى الاستعمار الجديد وعلى رأسه إدارة دونالد ترامب المتصهينة.
لكننا ندفع هذا الثمن في كل المعارك ضد الاستعمار والاحتلال عن طيب خاطر. فالأرض لا تتحرّر بالدعاء فقط ولا بالبيانات وحدها ولا بتدخل المجتمع الدولي ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بل وحدها دماء الشهداء وعزيمة المقاومة وإرادة الشعوب من ينتصر في النهاية ومهما طال الزمن وعظمت التضحيات.
المجد والخلود لشهداء المقاومة والجيش اللبناني وسائر الشهداء المدنيين.
المجد والخلود لجميع الشهداء في مختلف البلدان العربية ضد الاستعمار والاحتلال والإرهاب.
وتحية خاصة إلى شعب فلسطين الأبيّ المجاهد والى شهدائه الأبرار.
وكما قال الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابي: «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد للقيد أن ينكسر».
الرئيس
د. بشـارة الأسمـر