كلمة رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان الدكتور بشارة الأسمر
في جلسة الحوار حول «تعزيز الحوار الاجتماعي في لبنان»
ودور ومسؤوليات الاتحاد العمالي العام
غرفة التجارة والصناعة والزراعة – جونيه، في 5 حزيران 2018
الحضور الكريم،
إنّ الحوار الاجتماعي بات واجباً في أيّ مجتمع لتفادي النزاعات فيه، وهذا ينطبق بوجه خاص على علاقات العمل وبين أطراف الإنتاج.
وفي بلد كلبنان يصبح الحوار الاجتماعي أكثر من ضرورة بسبب الأزمات التي تتراكم فيه على المستويات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.
إلاّ أنّ الحوار الاجتماعي كوسيلة لتفادي النزاعات ليس هدفاً بحد ذاته، بل الهدف منه تأمين الاستقرار والأمان الاجتماعي لأطرافه ولمختلف فئات المجتمع.
وانطلاقاً من ذلك، فإنّ أي حوار يجب أن يكون متكافئاً بين أطرافه، وأن يعترف كل طرف بالآخر عملياً وليس شكلياً كما يجب أن تكون لهذا الحوار أطره المؤسسية الثابتة والدائمة وأن يستطيع أطرافه جميعاً الوصول الى المعلومات الضرورية والشفافة.
انطلاقاً من ذلك لنأخذ على سبيل المثال المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي يتمثل فيه بالإضافة الى الدولة والعمال وأصحاب العمل مروحة واسعة من ممثلي القوى الحية في المجتمع. وعلى الرغم من أنّ هذا المجلس بات هيئة دستورية منذ ما بعد اتفاق الطائف فقد جرى تعطيله لمدة تزيد عن خمسة عشر عاماً بدون أي مبرر وضرب عرض الحائط احترام الدستور اللبناني والالتزام بموجباته من قبل الأطراف السياسية الحاكمة.
والآن مع إعادة تشكيله من جديد يفترض أن تحال عليه جميع المشاريع الاقتصادية والاجتماعية الحيوية ومنها على سبيل المثال لا الحصر المشاريع التي طرحت في مؤتمر «سيدر» أو باريس (4) لأنّ هذه المشاريع لم تمر لا في مجلس الوزراء ولا في المجلس النيابي، بل جرى تجميعها عشوائياً ديوان رئاسة الحكومة. بل لا أحد يعلم حتى الآن الشروط التي فرضت على لبنان لمدّه بقروض وديون طويلة الأجل تقارب الاثني عشر مليار دولار ولا نعلم كذلك شيئاً عن الأثر الاجتماعي الخطير للاندفاع نحو المزيد من الخصخصة أو ما يسمّى الشراكة بين القطاعين العام والخاص بينما لدينا أمثلة مرعبة عنها في مثال شركات مقدمي الخدمات لمؤسسة كهرباء لبنان وشركة سوكلين حيث تعاظمت الكلفة على المواطن والدولة فيما ساءت الخدمات وازداد حجم الدين العام.
لذلك، فإنّ مصداقية الحكومة (أي حكومة) على المحك اليوم تجاه التعاطي مع مفهوم الحوار الاجتماعي واحترام المؤسسات المعنية فيه.
مثال آخر في هذا المجال هو لجنة المؤشر المؤلفة من أطراف الإنتاج الثلاثة. ففي حين أنّ على هذه اللجنة أن تجتمع سنوياً لعرض مؤشر الأسعار وانعكاسه على نسبة غلاء المعيشة جرى تعطيل هذه اللجنة منذ العام 1996 حتى العام 2012 ثم من العام 2012 إلى اللحظة الراهنة في العام 2018. وهنا نسأل لمصلحة من تجاوز القانون ومن يقف وراء ذلك؟ ومن هي القوة الخفية التي تمنع تطبيق القانون؟ هذا مع العلم أنّ في بلدان العالم المتحضرة والحريصة على الاستقرار الاجتماعي لم يعد هناك من حاجة إلى اجتماعات وهدر الوقت فالسلّم المتحرك للأجور يحلّ المشكلة تلقائياً وتصدر المراسيم بتصحيح الأجور وفق أرقام غلاء المعيشة العلمية.
ويبقى على المجلس الاقتصادي والاجتماعي دراسة سياسات الأجور ومعدلها من الناتج الوطني وليس التدخل في تصحيحها. حيث أنّ الأجور خسرت منذ العام 1996 أكثر من 50% من قيمتها الفعلية وكانت تشكّل حوالي 50% من الناتج المحلي وانخفضت إلى أقلّ من 25% من هذا الناتج وذهب الفرق اربحاً للنشاطات الريعية من مالية وعقارية ونهب وهدر وفساد أي سرقة!!!
كما أنه في موضوع التكافؤ في الحوار حول الأجور مثلاُ تنبري قيادات في الهيئات الاقتصادية بالإعلان عن عدم قبولها مطلقاً بتصحيح شطور الأجر والاكتفاء بالتعامل مع الحد الأدنى بزيادة هزيلة والتهديد بأنه إذا ما صحّحت الأجور سيلجأ بعض أصحاب العمل لتشغيل اليد العاملة الأجنبية الرخيصة على حساب العمال اللبنانيين!!! هكذا نعم، ومن دون أي اعتبار للقانون ولحقوق العامل اللبناني وكرامته في وطنه.
فأي تهديد يستبق الحوار الاجتماعي يقضي على مضمون هذا الحوار وأهدافه، بل يشكّل عنفاً مسبقاً لا يولّد سوى عنف مقابل وهنا على الدولة بمؤسساتها جميعاً يجب أن تلعب الدور المناط بها، أي فرض تطبيق القوانين وليس شريكاً أو واجهة للقوى الاقتصادية المتحكّمة بالبلاد.
أخيراً، فإنّ أحد أهمّ أهداف الاتحاد العمالي العام من الحوار الاجتماعي هو إعادة الاعتبار لدولة الرعاية الاجتماعية واستعادة حقوق الناس التي تدفع الضرائب والرسوم ولمضمون العقد الاجتماعي القائم بين الدولة ومواطنيها بدءاً من الحق بالعمل الى الحق بالصحة والتعليم والنقل والبيئة النظيفة وسواها من الحقوق الأساسية.
تلك هي مسؤوليات الاتحاد العمالي العام ودوره في تعزيز الحوار الاجتماعي، وهذه هي نظرته وأهدافه التي يتطلع إليها ويناضل من أجلها، وشكراً لكم جميعاً.
الرئيس
د. بشـارة الأسمـر