الأخبار

 مستشفى البترون «لا معلّق ولا مطلّق»  

 
 

التدخلات السياسية أقوى من قرارات «الضمان»

عدنان حمدان - (السفير الاقتصادي)


مستشفى البترون، او مستشفى الدكتور إميل بيطار الحكومي «لا معلّق ولا مطلّق»، كما يقول المثل الشعبي وما زال البحث مستمراً في مسألة بقائه بعهدة «الضمان»، او إعادة إدارته كقطاع عام، بعد انتهاء عقد تشغيل وإدارة المستشفى من قبل «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، في 31/12/2015، وامتناع مجلس إدارته عن تجديد العقد المبرم مع وزارة الصحة، وبالتالي عدم جهوزية وزارة الصحة لاستلام المستشفى المذكور، وتحمل أعبائه المادية وغير المادية.
قامت قيامة الموظفين في المستشفى، على رغبة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لدى اقتراب مهلة إعادة المستشفى الى وزارة الصحة، وقاموا باعتصامات وإضرابات، ساندهم فيها وزراء ونواب المنطقة، لاعتبارين الأول الضرورة القصوى لبقاء المستشفى كحاجة ماسة للمنطقة، والثاني استمرارية عمل المستخدمين. وكانت هاتان الحجتان تغطية لحاجة النواب والسياسيين الى داعمين لهم سياسياً، كمفاتيح انتخابية.
يشير العقد الموقع مع وزارة الصحة (الفريق الأول) عام 1974، في مادته الخامسة الى ما يأتي: «أما بالنسبة للعاملين في المستشفى، من أطباء وفنيين وموظفين، فيتولى الفريق الثاني (صندوق الضمان) إنهاء عقودهم بتاريخ انتهاء هذا العقد، ولا يترتب على الفريق الأول اية مسؤولية لهذه الجهة، ويعود للفريق الأول أن يتعاقد مع من يرغب منهم إذا اقتضت الحاجة».

اللجنة المؤقتة طلبت الاستغناء
وللتذكير كانت اللجنة المؤقتة القائمة بأعمال مجلس الإدارة 1997/9/24 قد اتخذت قراراً بعدم تجديد العقد مع وزارة الصحة وإبلاغها بذلك من أجل استلام المستشفى في نهاية العام 1997. إنما التدخلات السياسية والمصالح الانتخابية ضغطت بشكل كبير للاستمرار في إدارة المستشفى. وقام الصندوق بذلك بالرغم من تدني الخدمات الصحية وارتفاع الخسائر المالية، ومدد الاستثمار استناداً الى قرار مجلس الوزراء 35/2001 لمدة 15 سنة تنتهي في 31/12/2015.
وعلى الرغم من ضخ الأموال المتواصل من قبل الضمان وإجرائه عدة إصلاحات لتحسين أوضاع المستشفى، كان أولها استبدال اللجنة المشرفة على إدارته وتغيير المدير العام عدة مرات، وتكليف شركات مختصة لإعداد دراسات باتجاه تحصين وتحسين المستشفى، لكن كل المحاولات باءت بالفشل، أمام تراجع الخدمات الصحية وتضخم الخسائر المالية. إزاء ذلك قرر مجلس الإدارة في جلسة له في 9/12/2014 الطلب الى المدير العام درس الخطوات الآيلة الى التخلي عن إدارة المستشفى وإعادته الى وزارة الصحة، التي تمنعت حينها وتحت الضغوط السياسية عن استلام المستشفى.
وقد تبين لمجلس الإدارة ان الصندوق عاجز عن إصلاح الخلل في المستشفى باعتبار ان الجهاز الطبي والإداري والتمريضي، يغلّب المصالح الشخصية على المصلحة العامة. هذا الواقع ادى الى رسوب المستشفى في تصنيف الاعتماد الذي قامت به وزارة الصحة على اسس معايير ومقاييس اعتماد المستشفيات.
في العاشر من تموز 2014 بعثت ادارة الصندوق كتاباً الى وزير الصحة وائل أبوفاعور تحت رقم 1976، قبل حلول نهاية عقد الاستثمار الذي ينتهي في 30/12/2015، دعته فيه الى اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستلام المستشفى وفقاً لما نص عليه عقد الاستثمار. وكررت إدارة الصندوق الطلب في تموز، مع تأكيدها على التخلي عن المستشفى في نهاية عام 2015.

تجاوب أبوفاعور
وعند إصرار إدارة الضمان استجاب أبو فاعور وأعلم مجلس الوزراء، طالباً منه إعداد وتعديل المراسيم الآيلة الى إعادة مستشفى البترون الى ملاك وزارة الصحة وتسوية وضع العاملين، مع الموافقة على تأمين اعتماد بقيمة مليار و500 مليون ليرة لإنجاز تأهيل وتجهيز المستشفى، بدوره استجاب مجلس الوزراء وأقر المبلغ، مع تكليف مجلس الإنماء والإعمار القيام بالدراسات اللازمة.
وفي السياق ذاته، جرى تبليغ مجلس إدارة الضمان بقرار مجلس الوزراء وبموقف وزير الصحة الإيجابي، وسمي أعضاء اللجنة المشتركة المنصوص عنها في العقد، وأبلغ كذلك أبو فاعور، كما أبلغ العاملين في المستشفى بانتهاء عقود عملهم وتوقفها في 31/12/2015.
الإجراءات التي اتخذتها إدارة الضمان تمت بمعرفة مفوض الحكومة مدير عام وزارة العمل، لدى مجلس ادارة الصندوق، ووزير العمل سجعان قزي كوزير وصاية. ولدى تحرك العاملين في المستشفى حرصاً على استمرارية عملهم وعدم إقفال باب رزقهم ولقمة عيش عائلاتهم، أكد أبو فاعور للجميع بمن فيهم اهالي البترون ان المستشفى لن يقفل وسينقل من عهدة الضمان الى وزارة الصحة.
بعد اجتماع تم في وزارة الصحة ضم وزراء ونواب من منطقة البترون، إضافة الى رئيس اتحاد بلديات البترون ومسؤولين في وزارة الصحة، وصف ابو فاعور قرار إدارة الضمان بأنه «اتخذ من دون مسؤولية، وأنه قضى برفع اليد عن المستشفى وبعدم تجديد العقد».

كرة النار
بعد ذلك أيضاً، بدأت تحركات واجتماعات يدعى اليها مدير عام الضمان الدكتور محمد كركي، وبدأت الامور تأخذ منحى مغايراً للقوانين والأنظمة ولبنود عقد الاستثمار، بحجة عدم إقفال المستشفى، الى ان جاء تعليق مدير عام وزارة الصحة الدكتور وليد عمار، على كتاب مدير المستشفى المرفوع الى وزير الصحة، الذي يقول فيه «ان تشكيل لجنة لاستلام مستشفى البترون هو دعوة لتلقي كرة نار لا نستطيع تحملها. نقترح ان يستمر الضمان بإدارة هذا المستشفى».
كما تدخل وزير العمل مباشرة في الموضوع، فطلب في كتاب الى مجلس ادارة الضمان، ان يتجاوب مع هذه الحالة، ويبقي على هذه المؤسسة الصحية العامة الوحيدة في منطقة البترون مؤقتاً وتأمين الخدمات الصحية لطالبيها، وهي حاجة ماسة لا يمكن الاستغناء عنها، او حرمان الناس منها.

تدخلات سياسية
لم يبق احد من المتضررين سياسياً لم يدلِ بدلوه في قضية اعادة مستشفى البترون الى وزارة الصحة، الى ان عقد اجتماع في السرايا الحكومية حضره رئيس الحكومة تمام سلام والوزيران بطرس حرب وسجعان قزي ومدير عام الضمان محمد كركي وغاب عنه الوزير المختص وائل أبو فاعور، بحث في الكلفة المالية التي يدفعها الصندوق سنوياً وهي حوالي الف مليار ليرة، وفق ما قال كركي للرئيس سلام، علماً أن موضوعاً كهذا هو من صلاحية الهيئة التقريرية وليس التنفيذية. خلص الاجتماع الى استمرار الضمان في ادارة واستثمار المستشفى الى حين صدور المراسيم، مقابل مليار و200 مليون ليرة سنوياً تدفعها الحكومة.
لا بد من الإشارة الى ان مجلس ادارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عقد جلسة في 31 كانون الاول، بناء لدعوة نائب رئيس مجلس الادارة غازي يحيى، لدرس الموضوع المدرج على جدول الاعمال وهو البحث في ادارة واستثمار مستشفى البترون بصورة مؤقتة.

الرعاية الصحية مسؤولية الدولة
مع انتهاء العام 2015 اصبح مستشفى البترون «لا معلّق ولا مطلّق»، وإذا كان لا بد من إعادته إلى وزارة الصحة، فإن الدولة مسؤولة عن الرعاية الصحية والاجتماعية لمواطنيها، أكان في البترون ام في غيره. وبعد ان اظهر الصندوق انه غير مختص بادارة المستشفيات، وهذه لا تدخل في اطار مهامه، وبعدما فشل في ادارة واستثمار المستشفى، مع انه قام بعدة محاولات لإعادته الى وزارة الصحة وإنهاء عقد الاستثمار، بقيت التدخلات من جهات سياسية، أقوى وأمضى من أي قرار لمجلس إدارة الصندوق، وآخر ما سرب هو تشكيل لجنة لإدارته مؤقتاً.