الأخبار

  مشروع يُحرر المواطنين من "طابور الميكانيك"  

 
 

خاص "ليبانون ديبايت" - ستيفاني جرجس

منذ عقود، والقرار بكسر عقلية الإحتكار في الاقتصاد الوطني، يتأرجح ويتخبّط كشرٍّ مطلق بين أدراج مجلس الوزراء والقطب المخفية لبعض السّياسيين في هذا الملف العالق والمتشابك. وحتّى السّاعة، لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إيجاد حل نهائي يحدّ من العمليات الإحتكارية الاستنسابيّة وما ينتج عنها من فساد ورشوة سواء كان الاقتصاد حرّاً أم موجهاً.

منذ ذلك الحين والمستهلك اللّبناني يقبع أسير الإحتكار، وضحية وكالاته الحصرية وما يترتب عنها من تحكم بالسوق والسعر معاً وهشاشة وتهميش للبنية الاقتصادية، على الرغم من الجهود المبذولة من قبل بعض المعنيين وعزمهم المستمر على إنتشال القطاع العام من معمعة القطاع الخاص واحتكاره من قبل شركات محدّدة ومعينة غالباً ما تنحصر فيها المناقصات، دون أي تطبيق مشروع لقانون المنافسة.

أما "فال" أو محتكر جديد...
في عهد حكومة الرئيس السابق نجيب ميقاتي، مَدّد مجلس الوزراء عقد شركة سعودي "فال"، بعد أن لُزمت وحدها منذ العام 2002 معاينة الميكانيك في جميع المحافظات اللّبنانية، مع العلم أن مراكزها لا تغطي كامل المناطق، بل تقتصر على 4 مناطق فقط. هذا وتتوزع المراكز في كلّ من منطقة الحدث، الزهراني، طرابلس وزحلة، في ظل غياب لأي فعالية أو وجود لمراكزها ضمن كسروان - جونية ما يزيد من أعباء المواطنين القاطنين في هذا النطاق الجغرافي.

وابتداءاً من 30/09/2014 أُقر عندها التمديد لـ"فال"لمدة 6 أشهر غير قابلة للتمديد كما نص القرار آنذاك، في موازاة إجراء مناقصة مفتوحة للشركات المتخصصة في هذا المجال بناءً على مبدأ المنافسة المشروعة بين الشركات، بحيث تلزّم الشركة الفائزة هذه الخدمة وفق عقد " BOT" الذي توكل بموجبه الدولة الى الشركة مهمة القيام بأعمال المعاينة الميكانيكية، عن طريق منحها إمتيازًا لمدة محدَّدة متفق عليها في العقد، لكن أياً من هذه الشروط لم ينفذ سوى التمديد للشركة المحتكرة.

وللعودة إلى الانتشار الجغرافي لمحطات المعاينة وعدم توسيع الشركة المعنية رقعتها أو إشتراط الدولة عليها ذلك، يقبع جبل لبنان ضحية تهميش ولامساواة "فال"، على الرغم من سعي أحد الوزراء السابقين لإنشاء مركز معاينة في القضاء إلا أن مساعيه اصطدمت بمطامع السياسيين في تقاسم الحصص والتوزيع الفئوي.

عبود: فتح أبواب الميكانيك لأصحاب "الكراجات" ينهي الإحتكار
كما بات معلوم للجميع، أن حلقة الإحتكارات في لبنان تزداد رقعتها مع غياب أي سياسة إقتصادية أو مالية واضحة للدولة فضلاً عن عمليات الفساد والإحتيال والصفقات الوهميّة التي تطال تقريباً كل القطاعات الاقتصادية، ما يستدعي على الفور إعادة النظر في القطاعين العام والخاص على حد سواء واتخاذ القرار بكسر إحتكارهما.

وفي هذا الاطار، يؤكد وزير السياحة السابق الصناعي فادي عبود أن "الإحتكار سواء كان خاصاً أو رسمياً هو سيد الموقف، من أزمة النفايات واحتفاظ شركة "سوكلين" بجمع النفايات، إلى مداخيل مرفأ بيروت التي لا تدخل الى خزينة الدولة، وهي تقدر بحوالى ٢٢٠ الى ٢٣٠ مليون دولار سنوياً، كازينو لبنان، السوق الحرة وانتهاء عقدها مع الدولة، "ليبان بوست" وصولاً إلى الخدمات في مطار رفيق الحريري الدولي بيروت وخصخصة قطاع الخلوي وعملية السرقة الموصوفة والمكشوفة التي دارت ضمنه عندما دفع اللّبنانيون ملبغاً وقدره 500 دولار ليمتلكوا هذه الخدمة".

الميكانيك اليوم، محتكر من شركة سعودية يقول عبود، فـ"فال" هي الشركة المحتكرة الوحيدة للمعاينة عوضاً عن فتح الباب لكل أصحاب الكراجات الكبيرة والمجهزة والمراعية للشروط المنصوص عليها في الدولة من حيث الحجم وعدد المواقف والآلات المتطورة كما هو معمول به في بلجيكا وفرنسا وسائر دول العالم.

مشروع اليوم، هو اعتماد هذا النهج والأسلوب في قطاع الميكانيك لإنهاء عملية الإحتكار، بحيث بمقدور الدولة أن تضع شروط محددة على أصحاب الكراجات ومنح العشرات منهم لا بل المئات الحق بأعطاء شهادات مطابقة للشروط والموصفات ما يعزز مشروع قانون المنافسة وإلغاء الحماية عن الوكالات الحصرية، حسبما أشار إليه الوزير عبود.

ويشير إلى أنه "في حال طُبق هذا الطرح، تُقلص الرشوة تدريجياً ويتحرر المواطن من عبء الإنتظار في "الطابور" على أبواب الميكانيك هذا عدا عن جشع "السماسرة"، وفي الوقت عينه لن يتكمن أصحاب الكراجات الخاصة من الإحتيال والسرقة وإعطاء شهادات مزورة لأن رخصتهم مهددة بالإلغاء في أي وقت اذ اكتشف المراقبون عملية التزوير بمعناه أن السيارة غير صالحة لمرور المعاينة.

ورأى عبود أن "هذا الطرح سيلاقي إعتراضات وبشدّة، تحديداً من المستفدين من القانون المقترح الجديد في ظل الثغرات الموجودة فيه، أي أن المناقصة أولّاً لا تمر على هيئة المناقصات ولا مجلس الوزارء الأمر الذي أدى الى إعتراض من المجلس وتعديل القانون لتعطى هيئة السير الأحقية في قبول أو رفض أي مناقصة وحتى لو كانت الأرخص سعراً بالتالي تعزيز الإحتكار والسرقة تلقائياً".

وعن موضوع الضرائب المفروضة على السيارات، "لا بد من الإشارة الى أن هناك ما يقارب الـ 5 أنواع منها، منذ مرحلة استيرادها والتي تتضمن عدّة رسوم طبعاً كالجمارك والاستهلاكي والـ tva ، وصولاً إلى مرحلة التسجيل والـ 10 % من قيمة السيارة كرسم" .

وفي السياق عينه، يعتبر عبود أن رسوم الإستيراد يجدر أن تعود لمصدر واحد، فيما الرسوم الثانوية تستحصلها الدولة وفق حجم السيارة، سعرها ونسبة تلويثها بمعناه ان السيارة التي تلوث اكثر تدفع اكثر والعكس صحيح.

وأكدّ أن "الوقت حان لاعادة النظر بكل الرسوم الموضوعة على السيارات والأسلوب المعتمد في معالجة هذا الملف الخطير وتحديداً رسوم الميكانيك وتسعيرتها التي ترتفع سنوياً، وعملية الإحتكار من قبل شركة واحدة بدلاً من فتح "السوق" للجميع"، متمنياً على المجتمع المدني أن "يتطور ويضع نصب تركيزه ومطالبه بوضوح وفضلاً عن سياقها التوجيهيّ، كونه الأمل والحلّ الوحيد المتبقي للبنان لتفكيك الإحتكارات والحدّ من المشاريع التحضيرية للسرقات والإحتيالات على المواطن.

"خلينا بحرامي واحد.."
"خلينا بحرامي واحد احسن من عدة حرامية.."، هكذا دحض احد العاملين في مجال تخليص معاملات المعاينة الميكانيكية، ما صوّر من ايجابيات الطرح القاضي بفتح الباب لكل أصحاب الكراجات الكبيرة والمجهزة والمراعية للشروط المنصوص عليها في الدولة كبديل عن مراكز المعاينة المنتشرة في بعض الأقضية اللّبنانية الموزعة بمنطق اللاّمساواة بين المناطق، مؤكداً أن "الرشوة يمكن الحد منها بضبط الأمور في مراكز المعاينة بشكل جدّي ومراقبة الآلية المعتمدة من قبل الدولة والمراقبين والإختصاصيين.

ويعتبر العامل او ما يعرف بالسمسار في اروقة هيئة تسجيل السيارات والاليات، أن هذا الطرح سيسمح لأصحاب الكراجات باستغلال المواطنين أكثر فأكثر وسرقتهم لأنّه سيتم إسقاط السيارة حتماً وايهام صاحبها أنها غير صالحة والبدء بتعداد المخالفات الموجودة أي بمعناه أنها لن تمر في الميكانيك فيعمد عندها على الفور الى تصحيح المخالفات ما يحقق لهؤلاء مكاسب مادية اضافية.

وإذا كانت النية فعلاً بتحسين واقع الميكانيك في لبنان وإنهاء عملية الإحتكار فلتفتح الأبواب أمام المناقصات بين الشركات كافة وتحصل المنافسة وفق معايير الجودة والحرفية في العمل"، حسبما أشار اليه المصدر.

ورأى أن "التوزيع الجغرافي للمراكز يزيد من معاناة المواطن المادية والمعنوية على حد سواء، فمن جهة قلة من المواطنين يقنطون على مقربة من محطات المعاينة، وبالتالي هناك مسافة كبيرة عليهم اللّجوء إليها لإنجاز المعاينة في المحطات المعنية وقف المكان الذي سجلت فيه السيارة، ما يكبدهم تكاليف مادية إضافية مستقلة عن رسم الميكانيك الرسمي الذي يدفع سنويا، فيقع المواطن ضحية الإنتظار بالطابور والسماسرة على أبواب النافعة".

ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه يدوّن على لوحة كل سيارة رقم ورمز على شكل أوّل حرف من المنطقة التي سجّلت فيها، بمعناه أن السيارة ذات الرمز "ب" تخضع للمعاينة ضمن نطاق الحدث كونها مسجلة، أما في نافعة الدكوانة أو الأوزاعي ومناطق جبل لبنان، فيما السيارات التي تحمل رمز "ط" فيقصد أصحابها محطة طرابلس، أمّا بالنسبة للزهراني فيقصدها كل أصحاب السيارات المسجلة في محافظة الجنوب فيما تضم مجدليا محافظتي الشمال وعكار وزحلة كل من البقاع وبعلبك - الهرمل.

وتوجّه الى المعنيين بالسؤال، الوقائع تشير كما لمسنا الى أن مراكز المعاينة مقتصرة على أقضية معينة، وهنا السؤال أين جونية وجبل لبنان من ذلك؟ ألا يحقّ لأبنائها نافعة كأبناء الشمال والجنوب وغيرهم؟ قيل لنا في السابق أن مشروع إنشاء نافعة في الارجاء قيد التنفيذ، إلا أنه بقي حبراً على ورق كسائر الملفات الشائكة في البلد...

ظاهرياً، عملية تحرير السوق الاقتصادي من ايادي المحتكرين وحيتان المال تبوء بالفشل مع كل مرسوم تصدره الدولة وتقضي فيه بالتمديد لاحتكار هذه الشركات التي تنخر في عظام القطاع العام.