الأخبار

 «تمويل الضرورة» للدولة مستمر.. بصفر مخاطر  

 
 

رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه لـ«اللواء»
لا أوجه شبه بين أزمة اليونان والوضع اللبناني


بقلم إبراهيم عواضة - (اللواء)

رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه يشكل رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه حالة استثنائية، إيجابية وقيمة مضاعفة في القطاع المصرفي اللبناني، من القطاع العام إلى نجاح كبير في القطاع الخاص (المصارف) حتى أمسى ركناً محورياً من اركانه.
يحمل طربيه القاباً عديدة، رئيس مجموعة «بنك الاعتماد اللبناني»، رئيس جمعية مصارف لبنان، رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، الرئيس السابق لاتحاد المصارف العربية لأكثر من مرّة ورئيس اللجنة التنفيذية في الاتحاد حالياً.
نجح طربيه خلال مسيرته الطويلة في العمل المصرفي في بناء شبكة علاقات مصرفية مالية عابرة للحدود وظفها في مصلحة وخدمة لبنان عموماً وقطاعه المصرفي خاصة.
في 29 حزيران الماضي انتخب طربيه رئيساً لجمعية مصارف لبنان للمرة الثالثة، بالتزكية، وباجماع المصارف وسط أوضاع اقتصادية مالية مأزومة ناجمة عن عدم الاستقرار السياسي المحلي، وعن الوضع المأزوم في المنطقة.
«اللواء» التقت رئيس المصارف جوزف طربيه وحاورته حول أولويات عمل مجلس الإدارة الجديد، تمويل الدولة، الأزمة اليونانية، واوجه الشبه مع الوضع اللبناني وكان الحوار الآتي:

{ ما هي أولويات مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان الجديد.. وهل لديكم خطة عمل تراعي التطورات السياسية والأمنية في الداخل اللبناني وفي المنطقة؟
- بداية من المفيد التذكير مجدداً بأهمية الدور الاقتصادي والمالي الذي يلعبه القطاع المصرفي اللبناني على الساحة الداخلية منذ سنوات، إلى ان أضحى هذا القطاع عامود واساس الاقتصاد الوطني.
أثبت القطاع المصرفي اللبناني منذ بداية الأحداث في المنطقة العربية انه «ثابت» بوجه كل الاخطار التي تُهدّد لبنان، وتالياً وهو الأهم نجح القطاع في تعزيز الثقة بوضعه وبدوره، فحظي على ثقة اللبنانيين، كما حظي بتبعة إقليمية ودولية.
ان القطاع المصرفي اللبناني برهن ويبرهن عن قدرة غير محدودة في مواجهة المخاطر والتبدلات الطارئة، إن على المستوى السياسي أو على المستوى الأمني، ان مردود الثقة، وتالياً القوة التي بات يتمتع بها قطاعنا المصرفي عائد لعدة أمور من اهمها:
1- سياسات مصرف لبنان الحكيمة والاستباقية التي حمت القطاع المصرفي في أكثر من محطة مفصلية.
2- سياسات إدارات المصارف، وهي عموماً سياسات «محافظة تأخذ بعين الاعتبار أولاً وأخيراً مصلحة المودع ومصلحة الاقتصاد الوطني.
اما عن أولويات مجلس إدارة الجمعية الجديد الذي أولاني شرف رئاسته، فهي تقوم على الأسس التي كان قد باشر بها مجلس الإدارة السابق، والذي عاد بكامله إلى المجلس الجديد، وهذه الأسس تستهدف:
1- متابعة عملية تحصين القطاع المصرفي.
2- زيادة منسوب الثقة بالقطاع.
ان هذه السياسة والأهداف تتحقق أولاً من خلال متابعة سياسة الانفتاح على مصادر القرار المالي والمصرفي في العالم للتأكيد على انفتاح قطاعنا على العالم والتزامه أعلى معايير العمل المصرفي، وكانت جمعية المصارف (المجلس السابق) قام بعدة زيارات إلى مراكز القرار المالي في العالم، خصوصاً إلى الولايات المتحدة في سياق حملة ترويجية للقطاع، وقد حققت هذه الزيارات نتائج جد إيجابية، ونحن لذلك سنتابع ممارسة هذه السياسة، ثانياً توثيق التعاون مع مصرف لبنان في هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها المنطقة، وفي ظل تطورات متسارعة تشهدها الأوضاع المالية والمصرفية في بلدان مجاورة.
ان التعاون مع مصرف لبنان أثبت على سنوات عديدة انه ضروري، فهو اثمر استقراراً مالياً ومصرفياً في محيط متفجر، وفي وضع سياسي داخلي متأزم، لذا فإن هذه النقطة، أي زيادة توثيق التعاون مع مصرف لبنان باتت بمثابة «ثابتة» لا رجوع عنها.
نجح القطاع المصرف رغم الصعوبات
{ كيف تقيّمون وضع القطاع المصرفي اللبناني اليوم؟
- من يراقب أداء القطاع المصرفي ونتائج عملياته يتبين له ان القطاع نجح على الرغم من كل الصعوبات، في اجتياز الأزمات التي مرّ ويمر بها لبنان، وهذا الأمر يستدل عليه بوضوح من خلال قراءة ومتابعة تطور ارقام الميزانية المجمعة للمصارف، وتنامي حركة الودائع وأخيراً وليس آخراً نسب النمو التي يحققها القطاع.
إن قطاعنا المصرفي هو «مفخرة» الاقتصاد اللبناني وعموده الفقري، وأن المصارف كانت وستبقى مفتاح ضمان الأمن والاستقرار للاقتصاد اللبناني ولليرة اللبنانية.
.. باختصار إن أداء المصارف جيد إلى حدّ بعيد، وإن ما يُساعد على ذلك هو التعاون الوثيق مع مصرف لبنان الذي يلعب دوراً مركزياً واساسياً في تأمين الاستقرار النقدي والمالي في البلاد.
{ قال صندوق النقد الدولي الأخير حول لبنان «ان ارتباط الدولة والمصارف مصدر الخطر الأوّل على الوضع المالي».. ما هو ردكم على ذلك؟
- ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الصندوق عن هذه المسألة-  تمويل المصارف للدولة - انا اقول اننا «ادرى بمصلحتنا ومصلحة لبنان»، نحن لا نستطيع ان نترك الدولة «تفلس» وما شابه ذلك نحن نقوم وضمن حدود وهوامش وسياسات مدروسة ومنسقة مع مصرف لبنان بما يمكن تسميته «تمويل الضرورة» للدولة اللبنانية، وقد أثبتت السياسة التي نعتمدها في هذا السياق نجاحها بحيث لم تتأثر المصارف من جرّاء هذه السياسة، وفي المقابل تؤمِّن للدولة التمويل الذي تحتاجه.
نحن ندرك ونتفهم مخاوف صندوق النقد الدولي، لكن في الوقت عينه لكل بلد خصوصيته وسياساته، وكما يقال: «ان أهل مكة ادرى بشعابها»، اضف إلى ذلك عندما يقول «احد ما عليك ان لا تفعل ذلك.. عليه عندها ان يطرح البديل»، وهذا الأمر لم نجده في تقرير صندوق النقد الدولي.
وأنتهز هذه المناسبة للتأكيد مجدداً على ضرورة معالجة المديونية العامة في إطار سياسة عامة ترسمها الحكومة، وتستهدف إطفاء هذا الدين تدريجياً.
إلى ما تقدّم، نحن نقوم بدعم احتياطيات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، وهذا الأمر جيد واثبت جدواه، وهذه العملية تتم بالتنسيق مع المركزي، ومن دون أي مخاطر.
ان مصرف لبنان بات اليوم يملك احتياطياً نقدياً كبيراً، وهذا الاحتياطي هو عنوان ومصدر ثقة بالقطاع المالي وبالاقتصاد اللبناني، المصارف المركزية من حولنا تسعى للاستدانة، في حين ان مصرفنا المركزي يملك أعلى احتياط نقدي بالعملات منذ سنوات بعيدة.
.. على العموم اطمئن الجميع على ان سياسة «تمويل الضرورة» التي نتبعها في مسألة تمويل الدولة هي سياسة «صفر مخاطر» ولا تؤثر على سيولتنا المالية ووضعنا العام.
لا مقارنة بين الأزمة اليونانية واللبنانية
{ مع نشوب أزمة الديون اليونانية خرج في لبنان من يتحدث عن اوجه شبه بين لبنان واليونان على المستوى المالي والاقتصادي، إلى أي حدّ ترون ان المقارنة هنا واقعية؟
- لا اعتقد انه من المناسب أو من الناحية الواقعية يمكن مقارنة الأزمة اليونانية بالأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان، ذلك انطلاقاً من جملة من الثوابت ومن اهمها:
1- ان عملة اليونان «اليورو» هي عملة غير وطنية، ما يعني انه ليس بمقدور اليونان ان تعمد إلى طبع العملة لدفع رواتب واجور ومستحقات موظفي الدولة، أو لتغطية مصاريف طارئة للحكومة، عليها ان تلجأ إلى البنك الأوروبي إذا ارادت الحصول على سيولة إضافية، وطبعاً ان الأوّل لا يعطي المال بشكل عشوائي.. إنما على أسس ومعايير وشروط محددة، خاصة وصعبة.
اما في لبنان فإن عملتنا وطنية (الليرة)، وتالياً اذا ما احتاجت الدولة إلى المال فإنها قد تعمد إلى طبع المزيد من العملة مع ما لهذا الأمر من نتائج تضخمية على قيمة النقد. وطبعاً، ان لبنان لم يصل إلى وضع مماثل حيث السيولة متوافرة، وتقوم الدولة بتأمين الرواتب والأجور لموظفيها بشكل مستدام.
2- تعاني اليونان من فساد سياسي واقتصادي ومالي ومن أزمة مديونية كبيرة جداً للبنك المركزي الأوروبي، ومن أزمة سيولة في القطاع المالي والمصرفي.
في المقابل ينعم لبنان بوضع سياسي مقبول، وإن لم يكن على المستوى الذي نطمح له، ويتمتع قطاعه المالي والمصرفي بشفافية كبيرة، ويمتلك هذا القطاع سيولة مرتفعة، يضاف إليها الاحتياطي الكبير الموجود لدى مصرف لبنان بالعملات الصعبة.
الدين العام في لبنان بمعظمه داخلي ولجهات محلية، وهو طبعاً أدنى بكثير من دين اليونان، اضف إلى ذلك ان لبنان لم يتخلف يوماً عن دفع استحقاقات مالية متوجبة عليه.
من غير المنصف تشبيه أزمة اليونان الاقتصادية بأزمة الاقتصاد اللبناني إذ ان الفروقات هنا كبيرة وعميقة وجوهرية، نحن بلد «مليء» مالياً، نواجه أزمة اقتصادية نتيجة الوضع في المنطقة، نعم هذا صحيح.. لكننا لا نزال بألف خير.
ويشير طربيه اخيراً إلى الدور الكبير الذي يلعبه مصرف لبنان على صعيد دعمه للاقتصاد اللبناني، حيث توجه المصرف في السنوات الأخيرة إلى التدخل بقوة في موضوع الإنماء الاقتصادي، وسعى لأن يعوض عن قصور الاستثمارات وتراجعها في لبنان، كما سعى المركزي إلى خلق سياسات تعوض عن الضمور الحاصل في موضوع الاستثمار الخاص من أجل إعطاء حوافز تشجّع المصارف على التسليف بفوائد مدعومة، وتشجع أيضاً المستثمرين على الإفادة من هذه الفرص للدخول في عملية محددة من شأنها زيادة الانتاجية والاستثمار نوعاً وكمية.