الأخبار

 لبنان بين الإقتصاد السياسي والسياسة الإقتصادية  

 
 

(طوني رزق- الجمهورية)


يختبئ بعض الصراعات السياسية وراء مصالح اقتصادية كبرى. وتتمّ بذلك الاساءة للاقتصاد والسياسة معاً. فيتضرّر الاقتصاد من انعدام شروط المنافسة الاقتصادية وتتضرّر السياسة من هيمنة المال على الشأن السياسي، وما زال لبنان يُعتبر من الدول المتخلّفة على صعيد السياسات الاقتصادية واستبعاد تداعيات السياسة على الاقتصاد الوطني.
يعاني لبنان منذ عشرات السنين سيطرة فكر ومنهجية الاقتصاد السياسي. إذ يخضع الاقتصاد في لبنان لتأثيرات السياسة ويتفاعل مع الفعل وردات الفعل على الصعيد السياسي. وغالباً ما تكون التداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني العام.

غير أنّ الامر يصبح اكثر سوءاً مع طغيان السياسة على الاقتصاد. فالسياسة تخلق الارضية غير القابلة لاحتضان أيّ نموّ وازدهار اقتصادي أكان ذلك على المستوى السياحي والتجاري او على مستوى الامساك بموضوعية وفعالية بملفات اقتصادية بالغة الاهمية ومنها ملف انتاج النفط وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

ويعزّز التباعد والتجاذبات السياسية تأثير السياسة في الاقتصاد اللبناني والاضرار التي تلحق به جراء ذلك. فهل يعني التباعد السياسي أنّ اللبنانيين ما زالوا يبحثون عن هويتهم الوطنية والسياسية. فاذا كان هذا هو الدافع فتتوجّب المصارحة والجلوس بالتالي الى طاولة الحوار للاتفاق على أيّ نوع من الوطن يستطيع اللبنانيون التوافق وعلى الهوية المنشودة والقابلة لجمع اللبنانيين كلهم على اختلاف تطلّعاتهم وألوانهم السياسية والطائفية والمدنية.

المطلوب تخطّي هذه المرحلة في أقرب وقت لبلوغ الضفة الثانية وهي رسم السياسات الاقتصادية والعمل على تنفيذها. وعلى هذا الصعيد كانت الدول الخليجية وفي مقدمتها الامارات العربية المتحدة هي السبّاقة. إذ اعتمدت سياسات اقتصادية متطوّرة وشاملة وديناميكية فتحوّلت الى ارقام صعبة وبارزة ومضنية على المستوى العالمي رغم مواقعها وصعوباتها الجغرافية والمناخية.

وفي حين يقول البعض إنّ الصراع السياسي هو صراع صحّي يعكس ديموقراطية ضرورية وتطوّراً فكرياً وحضارياً، إلّا أنّ أيّ صراع يجنح خارج حدود التوازن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ويبلغ مرحلة إفراغ المؤسسات الدستورية والشرعية خصوصاً المراكز الاكثر دقة وحساسية يصبح صراعاً مرضياً ومدمّراً يتوجب صحوة للخروج من هذه الدائرة الجهنمية المغلقة.

المهم والاهم أنّ لبنان بحاجة لسياسات اقتصادية واضحة وشاملة تهتمّ بتعزيز نقاط القوة أيْ الميزات التفاضلية للبلاد وبتحسين أو استبعاد نقاط الضعف.

ويشكو لبنان من عوارض مرضية متصاعدة وما عدم القدرة على إقرار الموازنة العامة السنوية للبلاد منذ العام 2006 وحتى اليوم سوى أحد الأعراض المَرَضية لطغيان الاقتصاد السياسي على السياسات الاقتصادية.

كما أنّ انتشار أعراض الفساد في القطاعين العام والخاص يعود بدوره الى الاقتصاد السياسي حيث إنّ الجزء الاكبر والساحق من عمليات الفساد يستفيد من التغطية والحماية السياسية الخاصة، حتى المشكلات المالية الكبرى تعود الى طغيان السياسة: ومن ابرزها الخسائر التي تتكبّدها شركة كهرباء لبنان من جراء ضعف الجباية والتي تكبّد الخزينة اكثر من مليار ونصف المليار دولار سنوياً، كما أنّ الفساد المرتبط بالصفقات العامة الكبرى والتي تكبّد البلاد خسائر بالملايين وبمليارات الدولارات من دون القدرة على الملاحقة واستعادة الاموال المهدورة.

كما أنّ لبنان من أكبر الدول العالمية اعتماداً للتوظيف العام والخاص على خلفية الوساطة (أو الواسطة). وهو أمر يضرّ بالانتاجية والمربحية والنموّ الاقتصادي. إذ غالباً ما يكون الفرد غير المناسب في المكان غير المناسب.

وعلى الرغم من المظاهر الحضارية التي يحرص اللبنانيون على التباهي بها بالمقارنة مع الدول الاخرى في منطقة الشرق الاوسط. فإنه على الصعيد العالمي وبحسب المعايير الدولية يُصنَّف لبنان بين دول العالم الثالث على مستوى نوعية التعاطي مع الملفات الاقتصادية والاجتماعية والادارية كذلك على مستوى عدد كبير من القوانين والتشريعات.

التعريف الرسمي

يُعرف الاقتصاد السياسي بأنه العلم الذي يدرس اسس تطوّر المجتمع، فيدرس اسلوب الانتاج يركز على العلاقات الاجتماعية والوضع الطبقي وما ينتجه نمط الانتاج من تشكيلة اجتماعية.

أمّا السياسة الاقتصادية فهي مجموعة قرارات تتّخذها الدولة في ميدان اقتصادي معيَّن وذلك لبلوغ أهداف اقتصادية واجتماعية محدَّدة عبر وسائل متعدّدة. ومن الاهداف يمكن ذكر: النموّ الاقتصادي، خلق فرص العمل، ثبات الاسعار. أما الادوات فمنها الضرائب، نفقات الدولة، معدلات الفائدة المصرفية، الاسعار، المنشآت الاقتصادية التابعة للقطاع العام.

لكنّ تناول موضوع الاقتصاد السياسي في لبنان جارٍ واقعياً على خلفية العبث السياسي بالاقتصاد الوطني نتيجة الاهمال أو ضرب الاضرار بالمسار الاقتصادي العام والخاص نتيجة التدخّلات والمحسوبيات السياسية.

هذا فضلاً أيضاً عن الآثار المباشرة والجانبية للفوضى السياسية والتجاذبات السياسية الحادة السائدة في لبنان والتي يبدو أنها رسمت صورة جديدة عن لبنان في أذهان المستثمرين والافراد في مختلف دول العالم عموماً ومنطقة الشرق الاوسط خصوصاً.

وتتوجّب الاضاءة ايضاً على واقع العلاقة الوثيقة بين صراعات سياسية كثيرة تخفي وراءها مصالح اقتصادية. وتزداد هذه العلاقة تعقيداً والتباساً عندما يكون الفاعل السياسي فاعلاً اقتصادياً في الوقت عينه.

علماً أنّ عدداً كبيراً من النواب اللبنانيين من الفاعليات الاقتصادية البارزة في البلاد. وفي مثل هذه الحال تتمّ الاساءة للاقتصاد وللسياسة معاً فيتضرّر الاقتصاد جراء انتفاء وجود شروط المنافسة الاقتصادية وتتضرّر السياسية بسبب هيمنة المال على الشأن السياسي.