الأخبار

 نقل المسلخ والقصر البلدي  

 
 

«تقاسم الجبنة» في بلدية بيروت: نقل المسلخ إلى الشويفات

 
جرى التوافق على شراء عقارات في منطقة الأمراء ـ الشويفات لإقامة مسلخ حديث لمدينة بيروت (هيثم الموسوي)


يقول أحد أعضاء مجلس بلدية بيروت إن الجلسة التي عقدت الأسبوع الماضي برئاسة وزير الداخلية نهاد المشنوق وبحضور محافظ بيروت زياد شبيب، «خُصّصت لتقاسم الجبنة». في هذه الجلسة حُسم النقاش في أكثر الملفات سخونة في بلدية بيروت، وأكثرها حساسية مثل مسلخ بيروت، فيما اتفق على استبدال استملاك الاراضي والعقارات اللازمة لباقي المشاريع بالتفاوض المباشر مع اصحاب العقارات. يتردّد أن قيمة هذه العقارات قد تزيد عن 300 مليون دولار بحسب معايير التفاوض المتبعة

محمد وهبة  - (الأخبار)
فاجأ وزير الداخلية نهاد المشنوق الكثيرين بحضور جلسة مجلس بلدية بيروت الجمعة الماضي. محافظ بيروت زياد شبيب حضر الجلسة أيضاً إلى جانب رئيس البلدية بلال حمد. نوعية الحضور وترؤس المشنوق الجلسة، وفّرا نوعاً من المساكنة بين رئيس وأعضاء المجلس المنقسمين، دائماً، حول إدارة الجلسات شكلاً، وحول صفقات البلدية مضموناً. في غالبية الجلسات كانوا يتراشقون الاتهامات، وفي بعضها كانوا يكيلون الشتائم فيما كان بعضهم يتعرّض لبعضهم الآخر جسدياً.

هذه المرّة كانت الجلسة مختلفة شكلاً ومضموناً. فبحسب عدد من الأعضاء الحاضرين، لم يكن حمد قادراً على استفزاز أي طرف بحضور المشنوق. ورغم أن حمد خاض سجالاً مع المشنوق حول صلاحيات المجلس البلدي وصلاحيات المحافظ، إلا أن المشنوق تدخل سريعاً طالباً منه وقف هذه «المهاترات». يؤكّد عدد من أعضاء المجلس أن هذا النوع من الاستفزازات كان الحاضر الدائم في الجلسات نظراً إلى كونه جسر عبور لاشتباكات سريعة بين الأعضاء المحسوبين على المحافظ، وبين أولئك المحسوبين على تيار المستقبل تحت عنوان صلاحيات «المسيحيين» و«السنّة».

رسالة إلى حمد

مضموناً، فُهم حضور المشنوق وترؤسه جلسة المجلس البلدي، أنه رسالة إلى حمد مفادها أن القرار في بلدية بيروت لن يكون محصوراً بيد رئيس البلدية بعيداً عن «تيار المستقبل» الممثّل بالعدد الأكبر من أعضاء المجلس البلدي، وبالتالي لم يعد مقبولاً استئثار حمد بالقرار من خلال اللعب على «صراع الصلاحيات» بين أعضاء البلدية المستقبليين ومحافظ المدينة. وجاءت الترجمة العملية لهذه الرسالة من خلال أمرين؛ الأول هو البيان الصادر عن بلدية بيروت، الذي يشير إلى أن حمد تمنى على المشنوق «الوقوف دائما الى جانب بلدية بيروت ومساعدتها على تخطي الروتين وتسريع تنفيذ المشاريع». والثاني يتعلق بالمشاريع نفسها التي جرى توزيعها على قاعدة تقاسم الجبنة بين ائتلاف المستقبل ــ والأطراف المسيحية، وإرضاء الأطراف كافة من خلال اتخاذ قرارات بالمواضيع المطروحة على جدول الأعمال أو من خلال اتخاذ قرارات بمواضيع طرحها المشنوق على الجلسة من خارج جدول الاعمال.

مسلخ بيروت... في الشويفات

وبحسب بعض أعضاء المجلس البلدي، فإن توزيع المغانم يتضمن عمليات شراء عقارات في مناطق نفوذ الأطراف الأساسية المسيطرة على بلدية بيروت، وأن مهمة المشنوق اقتصرت على إعادة التوزيع بشكل يضمن لكل طرف حصّة واضحة من مبالغ قد تبلغ قيمتها 300 مليون دولار بالحد الأدنى، علماً بأن البلدية لن تستملك أي عقار بل ستفاوض لشرائه مباشرة مع المالك، وهو الأمر الذي قد يرفع أسعار العقارات ويزيد الكلفة على صندوق البلدية.


شراء الأرض من خلال التفاوض المباشر مع أصحابها بدلاً من استملاكها

ومن أبرز المواضيع العالقة والشائكة هي تلك المتصلة بمسلخ بيروت، إذ جرى التوافق على شراء عقارات في منطقة الأمراء - الشويفات لإقامة مسلخ حديث لمدينة بيروت وتكليف لجنة التخطيط والأشغال متابعة الموضوع لعرضه على المجلس البلدي. وفي الوقت الحالي سينقل المسلخ من منطقة الكرنتينا إلى منطقة الشويفات من خلال شراء عقارات بمساحة 30 ألف متر مربع، بناء على القرار المتخذ في الجلسة والذي يتضمن «تكليف الادارة البلدية تجهيز المسلخ الموقت بالمعدات اللازمة لكي يستوفي شروط السلامة العامة وتكليف مكتب المهندس خالد شهاب الاشراف والتأكد من مطابقة الأعمال على الشروط الفنية المطلوبة للمسلخ».
وبحسب أحد أعضاء المجلس البلدي، فإن الأعضاء المسيحيين كانوا يرفضون وجود المسلخ في الكرنتينا، وبالتالي فإن نقله إلى الشويفات حيث توجد نحو أربعة مسالخ، وبالقرب من مزارع الأبقار والأغنام، هو حلّ يرضي الأطراف المسيحية، فيما اكتفى «المستقبل» بتكليف مكتب نقيب المهندسين خالد شهاب (مستقبل) تجهيزه والإشراف عليه، إلا أنه ليس معروفاً موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من هذه النقلة، لكنها قد تكون مغطّاة من خلال قرار المجلس بالموافقة «على تخصيص العقار 5591 -المزرعة لمصلحة طائفة الموحدين الدروز».

شراء عقارات

كذلك، توافق المجتمعون في المجلس البلدي لمدينة بيروت على معالجة موضوع سوق الخضر. هذا الملف الشائك يبرز أهمية وجود المشنوق في الجلسة، إذ كانت البلدية قد قرّرت سابقاً أن تستملك بعض الأراضي في منطقة ارض جلول، منها أراضٍ تملكها عائلة الحريري التي كانت قد اشترتها بهدف بناء مساكن شعبية لأهل بيروت، لكن القرار في الجلسة الأخيرة عدّل ليكون شراء الأرض من خلال التفاوض المباشر مع أصحاب العقارات بدلاً من استملاكها، وحذف هذه العقارات من مشروع «إليسار». وقد أوضح بيان البلدية أنه جرت «الموافقة على إجراء اتفاق مع مالكي بعض العقارات في منطقة المزرعة بهدف إنشاء سوق للخضر والفاكهة بالمفرق إضافة الى موقف للعموم وتكليف لجنة التخطيط والأشغال متابعة الموضوع». هذا يعني أن شيطان المفاوضات والتسعير يسكن في تفاصيل الصفقة التي تشمل سبعة عقارات.
كذلك اتخذ قرار في الجلسة بالموافقة على «تكليف شركة لاسيكو إعداد الدراسات الهندسية لمشروع إنشاء مبنى لفوج حرس مدينة بيروت على قسم من العقار 1925-المزرعة».
هذه الشركة يملكها أربعة من صقور المستقبل هم سليم دياب وبلال العلايلي ومروان صالح وفايز مكوك، وهذا التلزيم ليس الأول بينها وبين بلدية بيروت.
وأعيد تأكيد الموافقة على «إجراء عقد اتفاق بالتراضي مع شركة «خطيب وعلمي» لتكوين خريطة مرسومة موحدة لتخطيطات الطرق في مدينة بيروت وإنشاء نظام GIS لهذه الغاية ومكننة إصدار معاملات الارتفاق والتخطيط وفقا لدفتر الشروط المعد لهذه الغاية».
من خارج جدول أعمال الجلسة طرح المشنوق موضوعين؛ الأول يتعلق بالعقار الذي توجد عليه سوق الخضر بالجملة بالقرب من السفارة الكويتية، اي العقار 3016 الذي تستأجره بلدية بيروت بمبالغ زهيدة يقال إنها تبلغ ألفي ليرة سنوياً، وقد أقر المجتمعون «الاستمرار في إشغال قسم من العقار 3016 من منطقة الشياح العقارية ملك الحكومة اللبنانية كسوق للخضار والفاكهة الطازجة بالجملة لمدينة بيروت وتأمين المساعدة المادية اللازمة لتحديثه»، كما تقرر تشكيل لجنة للاشراف على السوق لحين إقرار تعديل نظام استثماره. كذلك الموافقة على شراء العقار الملاصق للسوق بسبب تعدي بعض منشآت السوق عليه». أما الموضوع الثاني من خارج جدول الأعمال، فهو يتعلق بـ«شراء عقارات في منطقتي رأس بيروت والأشرفية بهدف إنشاء مبان مواقف للسيارات وكذلك الموافقة على شراء عقار في كورنيش المزرعة لإنشاء موقف عام للسيارات».


------------------------


المخطط التوجيهي لمنطقة الكرنتينا: نقل القصر البلدي

نقل مسلخ بيروت المؤقت من الكرنتينا، يمثّل الخطوة الأولى لعملية «التطهير» التي ستخضع لها المنطقة. يكشف أحد أعضاء المجلس البلدي في حديث مع «الأخبار»، عن وجود مخطط توجيهي لـ»تأهيل المنطقة وإنمائها»، بهدف تحويلها إلى منطقة «جاذبة للمستثمرين»، ملمّحاً إلى مشروع لنقل القصر البلدي إليها

هديل فرفور - (الأخبار)
في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، هددّ أعضاء المجلس البلدي «المسيحيون» بتقديم استقالاتهم في حال إعادة فتح المسلخ بعد انتهاء مدة التأهيل. حينها، قال نائب رئيس البلدية نديم رزق، لـ»الأخبار» إن رفضهم إقامة المسلخ الحديث يعود إلى «الرؤية الخدماتية والسياحية والثقافية لتلك المنطقة» (http://www.al-akhbar.com/node/220346). منذ ذاك الحين حصلت أمور مريبة كثيرة، يمكن أن تندرج في إطار خطّة ممنهجة لتطهير هذه المنطقة المغرية جداً لأصحاب الرساميل.

يقول أحد أعضاء المجلس البلدي (رفض ذكر اسمه) في حديث مع «الأخبار»، إن البلدية بصدد القيام بمخطط توجيهي للمنطقة. أول «ملامح» هذا المخطط هو ما كشفته مصادر في البلدية عن مشروع يرمي إلى «نقل القصر البلدي من مبناه القديم في وسط بيروت إلى الكرنتينا». تؤكد المصادر نفسها أنه «جرى تكليف استشاريين للقيام بالدراسات اللازمة للمبنى المزمع إنشاؤه»، مضيفة أن المساحة المقدّرة التي سيشغلها المبنى تراوح بين 30 و40 ألف متر مربع.
عضو المجلس البلدي تحدث عن «مشروع إنشاء مبنى يجمع مختلف الدوائر التابعة لبلدية بيروت»، لافتاً إلى أنه «جرت مناقشة هذا البند خلال الجلسة الأخيرة للمجلس البلدي التي ترأسها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق». ويشير إلى أن المخطط التوجيهي لم ينته بعد.
الكثير من خطوات «التطهير» التي تقوم بها البلدية، توحي بالمباشرة في ترجمة هذا المخطط واقعاً. يؤكد عضو المجلس البلدي أن البلدية أقامت الكثير من الدعاوى على مستأجري الهنغارات المنتشرة في المنطقة بهدف إخلائها، فضلاً عن عزمها على تلزيم إنشاء حديقة في تلك المنطقة تكون «على غرار حديقة الصنايع». ولكن، هل يمكن «زرع» حديقة في محيط موبوء يحتضن معملاً لتخمير النفايات؟ يجيب العضو بنبرة واثقة: «منشيل المعمل».
تستبعد مصادر مطلعة إمكانية «سلخ» المعمل من تلك المنطقة، وتستند في استبعادها إلى قرار مجلس الوزراء الذي حدد الكرنتينا موقعاً للمعمل. وتعلّق المصادر نفسها: «قبل الحديث عن إنشاء حديقة في الكرنتينا، فليبحثوا في معالجة مكب النفايات في برج حمّود». مصادر في بلدية بيروت تبدي استياءها «من إصرار البلدية على المباشرة بالمخطط بشكل تجزيئي»، مشيرة إلى أن خطة التأهيل «تتطلب خطة متكاملة، وهو ما ليس متوافراً لدى المجلس البلدي».
وماذا عن سوق السمك؟ يلمّح عضو المجلس البلدي هنا إلى إمكانية نقل سوق السمك من المنطقة، ويربط نقله بمشروع إنشاء سوق للخضار في أرض جلول، «مجهّز بأحدث التجهيزات ويرافقه مواقف للسيارات ويحتوي على محال تجارية صغيرة تشكل بديلاً لأصحاب البسطات بحيث يكون سوق الخضار وسوق السمك متجاورين».
عندما سئل عضو المجلس البلدي عن السبب المحفز لهذا المخطط التوجيهي، لم يتردد في الإجابة: «مساحات عامة» قبل أن يستطرد: «بيجيكي 100 مستثمر»، في إشارة إلى إمكانية إنشاء مطاعم وفنادق وغيرها، على قاعدة أن «بيروت رايحة على الخدمات».
قد يبدو «تأهيل» تلك المنطقة البائسة «وردياً» بالنسبة إلى الكثيرين، إلا أن ممارسات البلدية ورؤيتها «التطويرية» للأماكن العامة لا توحي إلا بالمزيد من «فتوحات» المضاربات العقارية والاستثمارات السياحية الخاصة، وبالتالي، بخلاف مفهوم المساحات والأملاك العامة، لن تكون هذه الأماكن متاحة أمام جميع المواطنين.
إن النقاش لا يدور حول الدفاع عن إبقاء المنطقة «موبوءة»، بقدر ما يتركّز على إمكانية «إلحاق» منطقة الكرنتينا بالنموذج المعمم على بقية أحياء المدينة.