الأخبار

 محاولات الهيمنة النقابية الدولية لمصلحة من؟!  

 
 

الأمين العام للإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب رجب معتوق يكتب :محاولات الهيمنة النقابية الدولية لمصلحة من ....؟!!

وكالة أنباء العمال العرب -

محاولات الهيمنة النقابية الدولية ، وتوسيع دائرة النفوذ ، ليست بالأمر الجديد على الوضع النقابي الدولي . وليست وليدة اليوم . انها بدأت منذ ان تأسس الاتحاد العالمي للنقابات WFTU في الثالث من أكتوبر عام 1945 وانشقاق مجموعة ما سميت بالنقابات الصفراء والخاضعة لنفوذ الإمبريالية العالمية بعد ذلك بوقت قصير . وتأسيسها لما سمى بالاتحاد الدولي للنقابات الحرة ICFTU . حيث اتهم هذا الأخير الاتحاد العالمي للنقابات انه مجرد تابع للاتحاد السوفييتي والدول التابعة له في المنظومة الاشتراكية ، وانه مجرد مروج للفكر الشيوعي الهدام ، بينما اتهم الاتحاد العالمي للنقابات خصمه الاتحاد الدولي للنقابات الحرة انه مجرد تابع يدور في فلك الإمبريالية العالمية والدول الرأسمالية ، وان المخابرات الامريكية ، والشركات الامريكية الكبرى المعادية للتنظيم النقابي هي من كان وراء تأسيسه تحت عناوين وشعارات براقة في ظاهرها ، ولكن في مضمونها هي لهدم وضرب وحدة الحركة النقابية العالمية وتفتيتها حتي لا تكشف ولا تواجه مخططات وسياسات استغلال الشركات الإمبريالية الكبيرة ومتعددة الجنسيات وهضمها وخرقها لمصالح العمال وعدم اعترافها بحقوقهم المشروعة ، خاصة وان الحكومة الامريكية رفضت في ذلك الوقت المصادقة على عدد من الاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية ومنها الاتفاقية رقم 87 المتعلقة بحق التنظيم والحقوق والحريات النقابية ، ولازالت لم تصادق عليها حتى يومنا هذا .


ظل الصراع بين الاتحادين النقابيين العالميين قائما بأشكال مختلفة على مستوي كافة بلدان العالم . وتجلى في الاستقطاب المستمر للاتحادات العمالية الوطنية ، والحرب الطاحنة بينهما في المحافل الدولية لاسيما في مؤتمر العمل الدولي ، وهو التظاهرة العمالية التي تعقد بقصر الامم بجنيف السويسرية سنويا دون انقطاع ، بمشاركة أطراف الانتاج الثلاثة . حيث تمارس في هذا المؤتمر كافة انواع الضغوط لمزيد من الاستقطاب النقابي ، وترويج الأفكار ، وممارسة الإقناع بصور شتى ، تصل الى شراء الذمم في كثير من الأحيان بدفع الرشاوى ، او الوعود بالمناصب والوظائف العليا في منظمة العمل الدولية .


وانعكست الحرب الباردة التي كانت قائمة بين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي ، والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ، بكل مظاهرها على الوضع النقابي الدولي من خلال الصراع المستمر بين هذين الاتحادين . وكانت المواقف والقرارات الدولية والتعاطي مع مختلف القضايا بالعالم لهذين المعسكرين ترتد تداعياتها مباشرة على العلاقة القائمة بين هذين الاتحادين والمنظمات المنظوية تحت لوائهما .


عربيا ، كانت الاتحادات العمالية في كل من اليمن والكويت والأردن والجزائر والسودان وفلسطين والعراق وسوريا والاتحاد الوطني في لبنان أعضاء في الاتحاد العالمي للنقابات ، بينما احتفظت اتحادات مصر وليبيا باستقلاليتها ، وكان الاتحاد العام التونسي للشغل ، والاتحاد المغربي للشغل ، من اول الاتحادات العمالية العربية التي أنظمت للاتحاد الدولي للنقابات الحرة .


كان الاتحاد العالمي للنقابات من اول المرحبين بتأسيس الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ، في 24 آذار/ مارس 1956 ، وكذلك الاتحاد العام لنقابات عمال عموم الصين .


بينما اعتبرالاتحاد الدولي للنقابات الحرة في قرار له اصدره مجلسه العام أواخر العام 1957 ، الاتحاد الدولي للنقابات العمال العرب منظمة نقابية مناوئة له ولاهدافه .


في ضؤ هذا القرار ظلت العلاقات بين الاتحاد الدولي للنقابات الحرة ، والاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب يشوبها قدر كبير من التباعد ، حيث لم تسجل اي لقاءات او اي من أشكال التعاون بين الاتحادين حتى العام 1993 .


في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي ، وسقوط جدار برلين ، وانهيار منظومة البلدان الاشتراكية ، وبالتالي انهيار التنظيمات العمالية فيها ، وانتشار الفوضى النقابية ، والتعددية النقابية المدمرة ، التي انتقدها عدد من الموظفين الكبار بمنظمة العمل الدولية ، واجه الاتحاد العالمي للنقابات تحديات كبيرة ، أضعفت دوره وأداءه بعضا من الوقت . لاسيما بعدما قامت الحكومة التشيكية بمصادرة البناء الذي كان مخصصا كمقر له في العاصمة براغ . وضعفت موارده المالية خاصة الدعم الذي كان يحظى به من الاتحادات العمالية الكبيرة في منظومة البلدان الاشتراكية .


هنا ، ومثلما وجدت الولايات المتحدة الامريكية نفسها سيدة العالم كقطب أوحد تتصرف فيه كما تشاء ، حتي بما يخالف المواثيق والأعراف الدولية ، وبما يخالف قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن ، وبما يخدم مصالحها فقط ، وجد الاتحاد الدولي للنقابات الحرة نفسه سيدا على الساحة النقابية الدولية يتصرف فيها كيفما يشاء تحت شعارات دعم الحرية والاستقلالية النقابية في بلدان العالم جميعا لا سيما تلك التي انسلخت عن المنظومة الاشتراكية السابقة .


في مطلع العام 1993 سجل الامين العام للاتحاد الدولي للنقابات الحرة الايطالي انزو فريزو اول زيارة له لمقر الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب في دمشق .


في لقاء اتسم بكثير من الود بين قيادتي المنظمتين رسمت أولى خطوات التعاون الثنائي المشترك . ومما لفت انتباه الأمانة العامة للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب في هذا اللقاء ، هو كشف السيد فريزو عن ان عددا من المنظمات النقابية العمالية العربية والتي هي أعضاء في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ، وبالتزامن كانت أعضاء في الاتحاد العالمي للنقابات ، قد تقدمت بطلب العضوية للاتحاد الدولي للنقابات الحرة الذي هو يرأسه . وعلق ان اتحاده لن يكون كمنظمة الامم المتحدة مفتوحا لمن هب ودب ، ولكن ستتم دراسة كل الطلبات بعناية ، والموافقة لمن يستحقها فقط على حد قوله .
منذ ذلك اللقاء الشهير بدأت مسيرة التعاون المشترك بين المنظمتين تشق طريقها بثبات .


في ذلك الوقت بالفعل كانت الاتحادات العمالية في كل من اليمن والأردن والكويت والجزائر قد انسلخت عن الاتحاد العالمي للنقابات والتحقت بالاتحاد الدولي للنقابات الحرة حيث قبلت عضويتها جميعا . بينما التحقت في وقت لاحق الاتحادات العمالية في كل من البحرين وفلسطين وموريتانيا وعمان .


عندما بدأت المشاورات بين الاتحاد الدولي للنقابات الحرة والاتحاد العالمي للعمل ( المسيحي ) سابقا ، للاندماج فيما بينهما عام 2004 بذلت مساعي جادة مع الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب من اجل إيجاد صيغة مناسبة للالتحاق بالمنظمة الجديدة المتوقع إنشائها لاحقا .


في المجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب دورة الكويت التي انعقدت عام 2005 حاول كل من بل جوردان ، وأيدي لوريسون ، وويلي تيس ، وايميليو غاباليو ، قادة الاتحاد الحر والاتحاد العالمي للعمل والكنفدرالية الأوربية للنقابات الذين شاركوا في جانب من اجتماعات دورة المجلس ، حاولوا إقناع المجتمعين بجملة من الأفكار التي تدعو لان يكون الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب جزءا من الاتحاد الجديد المزمع إنشاؤه . ولكن القيادات النقابية العمالية العربية رفضت تلك الأفكار جملة وتفصيلا ، وأصرت على بقاء الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب منظمة نقابية مستقلة عن المراكز النقابية الدولية .


طبعا ، هذا لم يرق لعدد من القيادات النقابية الدولية ليست الحاضرة للاجتماع فحسب ولكن في معظم معسكرها النقابي .
في عام 2006 تأسس بالعاصمة النمساوية فيينا الاتحاد الجديد . وأعلن كل من الاتحاد الدولي للنقابات الحرة ، والاتحاد العالمي للعملWCL عن حل نفسيهما . وظهرت المنظمة الجديدة التي تجمعهما معا تحت اسم الاتحاد الدولي للنقابات ITUC .


اكتسبت المنظمة الجديدة التي انتخب لقيادتها الانجليزي غاي رايدر ، الذي اصبح في وقت لاحق مديرا عاما لمنظمة العمل الدولية ، قوة كبيرة ، واشعاعا واسعا ، وتضاعف نفوذها على صعيد الساحة النقابية الدولية ، وسيطرت على مفاصل منظمة العمل الدولية وأصبحت الفاطق الناطق فيها .


استمرت العلاقة بين المنظمة الجديدة والاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب بوثيرة تشوبها حالات من المد والجزر .
عندما كانت الولايات المتحدة الامريكية والبلدان الغربية الحليفة لها تعد العدة في السنوات الاخيرة لمشروعها الاستراتيجي الفوضى الخلاقة التي استهدفت به المنطقة العربية ، راهنت على الأحزاب الليبرالية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية لقيادة الجماهير فيما أطلقت عليه وسائل أعلامها في وقت لاحق "بالربيع العربي ' .


وعندما قال كولن باول وزير الخارجية الامريكي في احد ندواته الصحفية ، ان حكومة بلاده خصصت 350 مليون دولار لدعم النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني عن طريق وزارته غير تلك التي تقدمها مؤسسات أمريكية اخرى ومنها مؤسسة USAID ذائعة السيط . لم يكن يقول كلاما على سبيل المزاح ... بل تبين فيما بعد ان الولايات المتحدة والدول الأوربية عن طريق مؤسساتها الداعمة قد قدمت مبالغ اكبر من ذلك بكثير .


في المؤتمر العام الثاني عشر للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي انعقد في الخرطوم خلال مطلع شباط / فبراير 2010 ، كان الخطاب النقابي للمنظمات الأعضاء حادا ضد التدخل الخارجي في الشأن النقابي العربي ، وكانت كلمات الوفود قاسية جدا حتى بحق الحضور من ممثلي منظمة العمل الدولية ومنظمات اخرى .


وكانت أعنف وأشرس كلمة تلك التي ألقاها حسين مجاور رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر واتهم فيها الاتحاد الدولي للنقابات ومنظمات أوروبية اخرى بالسعي لتخريب الساحة النقابية العربية وتمزيقها . وكانت تلك الكلمة الشعرة التي قصمت ظهر البعير . حيث أعلن في أعقابها عن قرار إنهاء الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي كان قد اتخذ قبل ذلك بسنوات . وذلك ما سنعود اليه في وقت لاحق .

*بقلم الأمين العام للإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب رجب معتوق.