الأخبار

 قزي يفجّر قنبلة زيادة الأجور إلى مليون و200 ألف  

 
 

قزي يفجّر قنبلة زيادة الأجور إلى مليون و200 ألف ولكن "حين تسمح الظروف"

سلوى بعلبكي - (النهار الاقتصادي)


1 آب 2016

عندما طرح وزير العمل سجعان قزي أخيراً تصحيح الحد الأدنى للأجور ليصل الى مليون و200 الف ليرة، لم يهلّل الاتحاد العمالي والنقابات العمالية الأخرى للطرح كما كان متوقعاً، فيما عضت الهيئات الاقتصادية على الجرح وكتمت غيظها في انتظار موقف موحّد لأركانها الذي سيترجم وفق المصادر مقاطعة لجنة المؤشر التي دعا اليها قزي في 9 آب الجاري.

يدرك قزي أن القدرة الاقتصادية ضعيفة والقدرة الشرائية أضعف. فأرباب العمل والعمال يعيشون أزمتين في وقت واحد، والصراع بينهما هو بين حقين، والعجز يعطّل إحقاقهما. إذ يقول: "إن الأزمات المتعددة والمتفاقمة ويا للأسف، لا تسمح بإجراء إصلاح حقيقي في الأجور والرواتب. وفي المقابل نرى العمال والموظفين، وخصوصاً ذوي المداخيل المحدودة، غير قادرين على جبه أعباء الحياة الشخصية والعائلية والصحية والتربوية".
ويدرك أيضاً أننا نعيش في لبنان بين البطالة والهجرة. ومصدر البطالة في لبنان هو غياب فرص عمل بسبب الأزمة الاقتصادية من جهة، وبسبب مزاحمة اللاجئين والمهاجرين السوريين للبنانيين في كل القطاعات من جهة أخرى. ولكن تبيّن له أخيراً ومن خلال حركة "طلبات إجازات عمل للأجانب" بأنه أضيف إلى اسباب الهجرة سبب جديد هو عدم اكتفاء اللبناني بالأجور اللبنانية المتدنية. وأكثر... يعتبر قزي أنه "عبثاً نحاول ضرب الفساد في إدارات الدولة وغيرها ما لم نحسّن الوضع المعيشي للناس". إذ برأيه "لا نستطيع أن نقول للجائع لماذا سرقت رغيفاً وللمريض لماذا سرقت دواء وللمرتجف لماذا سرقت رداء. وحتى لا يفهم من كلامه انه يبرّر الفساد أو يبرئ الفاسد، يوضح: "أشير إلى الواقع وأرشد إلى المدخل الحقيقي لمعالجته وهو: اعطِ الإنسانَ حاجته تهبط تلقائياً نسبة الفساد والرشوة".
أمام هذا الواقع، كان لا بدّ لقزي أن يطلق "فكرة تحسين الأجر الأدنى للعامل والموظف اللبناني حين تسمح الظروف بذلك وليس اليوم أو غداً. كل ما قلته بأننا مدعوون، دولة وهيئات اقتصادية واتحادات عمالية، إلى التفكير في إعادة النظر بالحد الأدنى للأجور لأن نسبة ارتفاع الأسعار باتت لا تسمح للعامل أو الموظف أن يعيش دون المليون و200 ألف ليرة". والرقم الذي اقترحه قزي "هو هدف مستقبلي وليس رقماً حتميّاً وآنيّاً. علماً أن تحسين الأجر يتم من خلال الحوار الثلاثي وحين تسمح الأوضاع الاقتصادية والمالية وحين يعاد بناء الدولة. لكن ثمة من يريد ألا يسمح بتحسين وضع العامل لا اليوم ولا غداً، علماً أن غالبية رؤساء القطاعات المصرفية والصناعية شخصيات وطنية وتتمتع بحسّ إنساني".
وإذ يشرح البعد الزمني لفكرة تحسين الأجور انطلاقاً من أن رفع الحد الأدنى الآن إلى مليون أو مليون و200 ألف ليرة سيزيد البطالة في البلاد، يستعين بالتجربة السويسرية ليؤكد نظريته "لقد صوّت الشعب السويسري بأكثرية 73% ضد رفع الحد الأدنى للأجور إلى مستوى 4 آلاف فرنك فرنسي حرصاً على عدم رفع نسبة البطالة التي هي 3,7% فقط، أما في لبنان فهي 25% تقريباً. ولكن حين نتحدث عن مثل هذه الدول يجب أن نعرف أن الحد الأدنى هناك هو حد موضوعي يكفي العاملين عموماً، وليس كما هي الحال في لبنان إذ يصرف العامل والموظف راتبه قبل أن يقبضه".
وفي إطار التحسينات المباشرة للأجر في لبنان، يقترح قزي "زيادة ساعات العمل في القطاع العام التي تبلغ 32 ساعة فقط، واحترام المؤشر الدوري لكي تأتي الزيادات منتظمة وقليلة، عوض انتظار سنوات فيُطالب العمال والموظفون بزيادات تبلغ ضعف الأجر أحياناً. وفي مقابل ذلك لا بدّ من تخفيف الضرائب المباشرة على رجال الأعمال وخصوصاً الصناعيين وتوفير الحماية الوطنية".

عربيد: ترجمة لسياسة الحكومة أو تمن من قزي؟
اذا كانت الهيئات الاقتصادية لم تصدر موقفاً حيال طرح قزي حتى الآن، إلاّ أن موقف رئيس جمعية تراخيص الامتياز شارل عربيد يمكن أن يعكس موقف الهيئات مجتمعة، خصوصاً وأن المعاناة التي يعيشها قطاع التجزئة تعتبر مرآة لتراجع كل القطاعات في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد. فعربيد الذي يستغرب طرح زيادة الأجور في هذا الوقت تحديداً إذ تراجع كل المؤشرات الاقتصادية، يسأل: "هل هذا الطرح هو ترجمة لسياسة الحكومة أو هو تمن من قزي؟". ليضيف: "إذا كان الأمر لا يتعدى حدود التمني، فإننا كلنا نتمنى أن نرفع الحد الأدنى للأجور إذا كان الوضع يسمح بذلك، ولكن بين التمنيات والامكانات فارق كبير". ففي ظل تراجع الاستهلاك 15% من أول السنة، يضطر قطاع بيع تجزئة الى اجراء حسومات طوال العام لكي يوفر السيولة مع اضطرار بعض المؤسسات الى تأخير دفع الرواتب. من هنا لا يمكن وفق ما يقول عربيد حتى التفكير في هذا الطرح، لأن "همّ اصحاب العمل ينصبّ حالياً على ديمومة عمل مؤسساتنا، وتالياً على ديمومة عمالنا الذين يناهز عددهم الـ 99 ألف عامل وموظف في قطاع التجزئة وحده". ولأنه يتخوّف من أن يكون طرح زيادة الاجور باباً للبعض للاستعانة بالعمال الأجانب، يدعو الى "الكفّ عن جلد أنفسنا في مقابل التركيز على الحوار والتفكير في سياسة لتحفيز الاستهلاك وزيادة الصادرات، فالوقت هو وقت التروي والعقلانية".
وفي انتظار الموقف الموحّد لـ"الهيئات" من طرح قزي، يبرز موقف الاتحاد العمالي على لسان رئيسه غسان غصن الذي قال لـ"النهار" إن قزي "ليس اول من طالب بزيادة الاجور، إذ سبق للاتحاد أن بادر الى طرح الامر بعدما تآكل الحد الأدنى بفعل الغلاء وارتفاع معدلات التضخّم". عدا عن ذلك، اشار غصن الى أن الأجور لم تصحّح وفق الآلية التي تمّ الاتفاق عليها في عام 2012، إذ جرى الاتفاق على تصحيح دوري للأجور نسبة لزيادة التضخم الذي بلغ وفق دراسات الاتحاد العمالي أكثر من 36%. وعلى رغم أن أرقام الاحصاء المركزي تشير الى أن نسبة التضخم بلغت 34,7% في آخر عام 2014، فيما توقعت بعض المصادر انخفاض هذه النسبة لتبلغ 32%، إلاّ أن غصن يستند الى أرقام الاتحاد ليقترح رفع الحد الأدنى الى مليون ونصف مليون ليرة يضاف اليها بدل النقل والتعويضات العائلية ومنح التعليم.
في المحصلة ستكون الكلمة الفصل في هذا الموضوع للجنة المؤشر، إذ دعا قزي المعنيين فيها الى الاجتماع في 9 آب الجاري، مع ارجحية تأجيل الاجتماع وفق قزي، عازياً السبب الى سفر اركان الهيئات الاقتصادية لقضاء اجازاتهم في الخارج.

[email protected]