الأخبار

 كلمة رئيس الاتحاد في مؤتمر العمل العربي - القاهرة  

 
 

كلمة رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان السيد غسان غصن

في الدورة (43) لمؤتمر العمل العربي

القاهرة – 10-17/4/2016


-     سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي – رئيس جمهورية مصر العربية، راعي أعمال هذا المؤتمر،

-     معالي رئيس المؤتمر الدكتور عيسى بن سعيد الجفالي – وزير التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية في دولة قطر،

-     أصحاب المعالي الوزراء،

-     سعادة السيد فايز المطيري – مدير عام منظمة العمل العربية،

-     الأخوات والأخوة رؤساء وأعضاء الوفود المشاركة،

-     الضيوف الكرام،

-     السيدات والسادة الأعزاء،







إسمحوا لي في البداية أن أتوجه بعميق التقدير والشكر لسيادة الرئيس عيد الفتاح السيسي - رئيس جمهورية مصر العربية لرعايته أعمال هذا المؤتمر ومن خلاله لشعب مصر الأبيّ الذي شكّل على مدى تاريخنا المعاصر الرافعة القومية لقضايا وطننا وأمتنا وشعوبنا كما أخصّ بالشكر الاتحاد الشقيق، اتحاد عمال مصر لدوره الرائد في كرم الضيافة وحسن استقباله للوفود العمالية المشاركة في هذا المؤتمر.


ويهمّني في سياق هذه الكلمة أن أحيي الصديق العزيز معالي المدير العام لمنظمة العمل العربية الأخ فايز المطيري وفريق عمل المنظمة للجهود المبذولة على المستويات كافة في هذه الظروف البالغة الدقّة وإعداد كافة المستلزمات والوثائق والتقارير اللازمة لإنجاح أعمال هذا المؤتمر.


السيدات والسادة،

لقد شكّل تقرير المدير العام مادة خصبة للنقاش شأنها شأن ما سبقها من التقارير الثرية بالأفكار ووافرة بالمعلومات، حيث بات لدينا سلسلة مترابطة المقاربات العلمية الموضوعية لعالم العمل في أقطارنا العربية، تناولت بعمق مختلف الجوانب حيث قدّمت جملة من الاقتراحات والمشاريع التي لو أخذ بها لكنّا على غير ما نحن عليه اليوم من أوضاع اقتصادية بالغة التردّي وأوضاع اجتماعية شديدة البؤس، تطرح علينا جميعاً تحديات بالغة الصعوبة والدقّة في آن.


هذه المسائل يتناولها تقرير معالي المدير العام في القسم الأول تحت عنوان: «التحديات التنموية وتطلعات منظمة العمل العربية».






ولم تجانب الصواب إطلاقاً إشارة المدير العام في مقدمة التقرير إلى «أنّ الواقع الراهن الذي تمرّ به عدّة دول عربية أماط اللثام عن تحديات تنموية جوهرية، باتت أكثر إلحاحاً من أي وقتٍ مضى ومن هذه التحديات قضايا البطالة والفقر والتأمينات الاجتماعية والتدريب المهني ومخرجات التعليم وأسواق العمل.

كما يشير في مكان آخر من التقرير إلى أنّ السياسات التنموية التي اتبعت إنّما عبّرت «عن الهوّة والبعد السياسي المتّصل بالخيارات التنموية المختلفة والآثار المدمّرة التي ولّدت الشعور بالإقصاء والإحباط وضعف الانتماء»... مثبتاً ذلك في سياق التقرير بالقول «أنّ الدارس لدينامية وتركيبة الحراك الشعبي الأخير في بعض الدول العربية من زاوية سوسيولوجية يلاحظ أنّ الفقراء والعمال لا سيما في القطاع غير المنظم هم من أشعلوا فتيل الاحتجاجات فضلاً عن جيوش العاطلين عن العمل».

الأخوات والأخوة الأعزاء،

        بعيداً عن الكلام المنمّق، فإنّ ما تشهده منطقتنا العربية من أهوال في عدد من دولها تذكّر بما سبقها من حروب كونية ومآسيها وآثارها وكأننا إزاء حرب إرهابية كونية تدور رحاها داخل أقطارنا ويطاول مداها دول العالم فها هو الإرهاب يقضّ مضاجع دول أوروبا وأفريقيا على وجه الخصوص وما شهدناه مؤخراً في فرنسا وبروكسل - عاصمة الاتحاد الأوروبي ليس إلاّ بداية فورة البركان الذي بدأ يقذف حممه ليطال مختلف مدن العالم.

السيدات والسادة،

        إنّ أنهاراً من الدم تجري في مدننا وأريافنا تطرح بقوّة تهديدات كيانية وتغيرات ديموغرافية بسبب حملات التكفير والتمييز المذهبي والطائفي والعرقي ممّا أدّى إلى نزوح الملايين في الداخل وهجرة عشرات الآلاف إلى الخارج برّاً إلى العراء في مخيمات البؤس وبحراً في مراكب الموت غرقاً وذلاًّ فتفكّكت أواصر الصلة بين أبناء البلد الواحد بعدما عاشوا شركاء في الوطن لمئات السنين. كلّ ذلك يجري تحت أنظار العالم بل أنّ بعض من هذه الدول يوقد هذه النار المستعمرة بالمال والسلاح ويدفع إليها جماعات الحاقدين الإرهابيين التكفيريين – الدواعش وفصائلها.

كلّ ذلك، خدمةً لأطماع الدول التي تسعى لاستغلال ثرواتنا والهيمنة على أسواقنا.


    نعم أيتها السيدات والسادة، إننا إزاء تحدٍّ حقيقي لتغيير جذري وليس لتعديل تقني. إننا أمام تحدٍّ لخلق سياسات وطنية وقومية استراتيجية تنموية تتيح تكافؤ الفرص وتحقّق العدالة الاجتماعية. سياسة إقتصادية هادفة إلى رخاء المجتمع وسياسات ضريبية تكون سبيلاً لإعادة توزيع الثروة فلا اقتصاد يزدهر ولا عدالة تتحقّق ما لم يصاغ عقد اجتماعي بين الشركاء الاجتماعيين من أطراف الانتاج الثلاثة (الدولة وأصحاب العمل والعمال).


السيدات والسادة،

        إنّ عالمنا العربي يزخر ليس فقط بالثروات الطبيعية بل أيضاً بالموارد البشرية المبدعة المنتشرة في أربع رياح الأرض وإننا في هذا المجال ندعم بقوّة توجّه التقرير الى إنشاء «شبكة عربية للاقتصاد الاجتماعي التضامني» كما نرى أنّ قيام هذه الشبكة مع التوسّع في إنشاء المجالس الاقتصادية والاجتماعية وإعطائها حيّزاً أكثر من الاستقلالية يمكّنها من معالجة جملة من التحديات التي طرحها التقرير مثل ظاهرة العمل غير المنظّم والعمل اللائق وسواها من الإشكاليات وفقاً للتوصية العربية رقم (9) الصادرة عن مؤتمر العمل العربي في الدورة (41) عام 2014 بشان الحماية الاجتماعية للعاملين في الاقتصاد غير المنظم.


        إنّ بعض المسائل الأخرى التي يراها البعض مسائل تقنية هي في الحقيقة قضايا جوهرية. أوَليس من الملفت ظاهرة هجرة الأرياف إلى المدن؟ ألا تستدعي هذه الظاهرة الخطرة معالجة فورية تنطلق من الإنماء المتوازن بين المناطق وتعزيز القطاعات الإنتاجية في الصناعة والزراعة فضلاً عن دعم المؤسسات المتوسطة والصغرى وإتاحة فرص العمل لامتصاص معدلات البطالة التي فاقت عشرين مليون عاطل عن العمل والمقدّرة أن تتضاعف خلال العقد القادم.


        أمّا في مجال تنقّل الأيدي العاملة العربية التي كانت ولا تزال حاجة اقتصادية متبادلة، فإنّه وعلى ضوء التجارب بات من الملحّ إصدار التشريعات والقوانين الحمائية اللازمة لأولئك الذين تُنتهك حقوقهم أو أضحوا مكسر عصا النزاعات القطرية العربية.


السيدات والسادة،

        لقد استوقفنا ما جاء في التقرير حول الدور الريادي للقطاع الخاص والذي نخشى أن يطلق العنان أكثر تحت ظلال العولمة وسياسات الخصخصة وتوحش الرأسمال والأفكار النيوليبرالية وقبل إجراء إصلاحات جذرية في القطاع العام للحدّ من الفساد وانعدام الإنتاجية ووضع سياسات ضريبية عادلة لمنع التهرّب الضريبي وتشريعات أفضل للحماية الاجتماعية والتبصّر ملياً قبل انخراط المزيد من بلداننا في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية والاستمرار في تنفيذ الوصفات المدمّرة اقتصادياً التي يطلقها لا بل يفرضها البنك الدولي وصندوق النقد وغيرهما من الجهات القابضة على المراكز المالية الدولية.


        ونتّفق مع ما جاء في التقرير لجهة أرقام البطالة سواء بين العاملين أو الخريجين الشباب والشابات مع أننا نشك بالأرقام التي تصدرها بعض الحكومات حيث أنها لا تعكس الأرقام الحقيقية بغية التخفيف من مسؤوليتها في رفع مستويات النمو وطريقة توزيع ناتجه كما يقول التقرير.


        وإذ نوافق مع مضمون التقرير لجهة توصيف أنواع الفقر وأسبابه لجهة البعد التوزيعي لثمار النمو في ظل مفهوم الدولة الراعية والبعد الحمائي للكرامة الإنسانية، فإننا نعتقد أنّ الفقر ليس ظاهرة طبيعية بذاتها بل إنه فعل إنساني أي «إفقار» لفئة واسعة من المجتمع لصالح الجشع والثراء لفئة قليلة على حساب مجتمع بعيد عن مبادئ العدالة الاجتماعية.


        أمّا فيما يعود إلى نظم الضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية، فإنه من المعيب حقاً أن لا يشمل الضمان الاجتماعي في العالم العربي سوى 33% من مواطنيه، بينما الباقي مكشوف من دون أي تغطية اجتماعية أو صحية تليق بالإنسان.


السيدات والسادة الأعزاء،

       إنّ الزمن الرديء الذي يمرّ على أمتنا ويعصف بها شقاقاً وفرقة وذلك بسبب الإرهاب المزدوج الرؤوس، إرهاب الدولة في الكيان الإسرائيلي الذي تضرب آلته العسكرية في فلسطين قتلاً واعتقالاً وتدميراً وإرهاب داعش ومثيلاتها الذين يعبثون في أمتنا خراباً لحضارتها وذبحاً وقتلاً وترويعاً وتشريداً وتهجيراً لمكوناتها البشرية على امتداد الوطن العربي من مغربه إلى مشرقه بدءاً من أطرافه في ليبيا وتونس وكذلك في مصر أم الدنيا وسوريا قلب العروبة ولبنان حيث تطال جرائمهم المفخّخة بالأحزمة الناسفة والسيارات المتفجّرة الأبرياء العزل من الرجال والنساء والأطفال القاصدين عملهم أو مقبلين إلى مدارسهم.


        إنّ هذا الإرهاب لا يمكن مواجهته والتصدّي له إلاّ بوحدتنا ومقاومتنا لدحره وتحرير فلسطين التي تبقى قبلة العرب وقدس أقداسه والقضاء على الحالة الشاذة الغريبة عن أمتنا والبعيدة عن أدياننا والمتمثلة بالقاعدة وروافدها من داعش وأخواتها. شكراً والسلام.


        رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان

        غسـان غصـن