الأخبار

 «المجتمع المدني» يصفّق للهيئات الاقتصادية  

 
 

لبنان «ماركة» للتسويق

 
الوضع الاقتصادي المهترئ والمتراجع سببه الفراغ الرئاسي بالدرجة الأولى، لذلك لا حل سوى بانتخاب رئيس للجمهورية لإعادة تسويق البلد كـ»ماركة جميلة». هذا ما اعلنته الهيئات الاقتصادية في لقاء دعا إليه «ملتقى التأثير المدني»، بحضور «المجتمع المدني» الذي «صفّق» للهيئات الإقتصادية ودعاها إلى حكم البلد لأنها وحدها القادرة على «انتشالنا» من هذا الوضع

إيفا الشوفي - (الأخبار الاقتصادية)

مشهد حوار «الهيئات الإقتصادية» في ما بينها، بحضور «هيئات المجتمع المدني» بصفة «مراقب»، الذي نظمه «ملتقى التأثير المدني» أول من أمس، يختصر واقع البلد والمجتمع اللبناني والإشكالية الجدية التي خلقتها المنظمات غير الحكومية عبر «احتكارها» الكلام باسم المجتمع المدني.

المشهد كان حقيقياً، واقعياً، شفافاً يعكس بوضوح تركيبة المجتمع التي تمنع حصول أي تغيير جذري فعلي في النظام: هيئات إقتصادية «تولول» من الوضع «الخاسر»، وتحمّل كامل المسؤولية للدولة الفاشلة والفاسدة، تمارس دورها بنجاح كـ «يد خفية» لا علاقة لها بالسلطة، علماً أنها هي الدولة، او كما ردّدت مرارا وتكرارا انها «تُطاع ولا تطيع». في المقابل، «مجتمع مدني»، يقتصر على الـ NGO›S، «مبهور» بنموذج نجاح الهيئات الإقتصادية التي تحقق أرباحاً مخيفة، بغض النظر عن النموذج الاقتصادي الذي يسمح لها بتحقيق هذه الأرباح، من خلال الاحتكارات التجارية وسيطرة الريوع المصرفية والعقارية والاستيلاء على الاملاك العامة وتعميم الفساد. «مجتمع مدني» يدعو هذه «الهيئات الإقتصادية» إلى «إنقاذنا» وتسلّم الحكم بالبلد.
هدف اللقاء كان إطلاق حوار بين الهيئات الإقتصادية لمناقشة مشاكل البلد وأولويات التغيير ووسائل التحرك. بمعنى آخر، دعت إحدى هيئات المجتمع المدني، طرفاً هو الهيئات الإقتصادية ليتحاور مع نفسه لا مع طرف آخر- وكأن هذه الهيئات تحتاج إلى من يجمعها لتتناقش وتتفق-، ودعت في المقابل ممثلين عن «المجتمع المدني» - الذين من المفترض ان يناقشوا ويساوموا على رؤية مستقبلية- ليراقبوا ويستمعوا ويُشيدوا بعظمة رجال الاعمال!

هلع الفراغ الرئاسي

بصراحة، عبّر رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، محمد شقير، عن رؤية الهيئات الإقتصادية للبلد بأنه «ماركة»، أي علامة تجارية، «لا تتطلب الكثير من الجهد لتسويقها» سوى بتحقيق الإستقرار. إذاً، هو ليس وطناً أو مجتمعاً أو ناساً، نتحدث هنا عن «ماركة» يجب تسويقها لتحقيق الأرباح. يعطي شقير «أهم» مثالٍ على تراجع القطاعات الإقتصادية: عام 2010 كان يبلغ «اسطول» قطاع تأجير السيارات 17 الف سيارة وأصبح اليوم 8 آلاف! يتحدث عن قطاع لا علاقة له بأي إنتاج، كل ما يفعله انه يؤجر سيارة لسائح او راغب بالنزهة، فالسيارات وقطع غيارها والبنزين جميعها يجري استيرادها من الخارج، وبالتالي لا يخلق هذا القطاع فرص عمل فعلية ولا يحقق اي قيمة مضافة في الاقتصاد.


برأي شقير
الأولوية اليوم هي لانتخاب رئيس للجمهورية
لا ينسى شقير أن يذكّر بأنّ «الأزمة مع دول الخليج تهدد البلد بخسائر كبيرة»، ولا يعير اي اهمية للدلالة التي يدلّ اليها كلامه، وهي أنّ البنية الإقتصادية القائمة على خدمة اقتصاد اقليمي ريعي لا تؤمن أي استقرار للبلد، وانما ترهنه بالكامل للخارج، لكن ما الذي يجب فعله لتغيير الوضع؟ هل يجب إقامة إقتصاد منتج قائم على تفعيل الصناعة والزراعة والخدمات؟ برأي شقير الأولوية اليوم هي لانتخاب رئيس للجمهورية، إجراء انتخابات نيابية، تأليف حكومة جديدة وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
كلمات الهيئات الإقتصادية الأخرى (غرف التجارة والصناعة والزراعة في الشمال والجنوب والبقاع، تجمّع رجال الأعمال وجمعيّة شركات التّأمين) صبّت جميعها على الخط نفسه والأولوية المتمثلة بانتخاب رئيس للجمهورية، لأن الفراغ السياسي وعجز الدولة «دمّرا الاقتصاد».
لكن، من صلب الهيئات الإقتصادية، برزت ورقة مغايرة قدّمها رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل، لم تلقَ أي اهتمام من جانب هيئات المجتمع المدني. ماذا قال الجميّل؟ رأى رئيس جمعية الصناعيين أنّ المشكلة الاساسية تكمن في غياب سياسات اقتصادية، عدم وجود رؤية وخطة اقتصادية واضحة ومتكاملة وسيطرة مفهوم وقناعة خاطئة ومزمنة بأن ليس للبنان قدرات بأن يكون بلداً صناعياً. أتى الفراغ الرئاسي في مرتبة متأخرة لدى الجميّل، الذي يضرّه فعلاً، كصناعي، سيطرة الإقتصاد الريعي لكونه لا يرفع كلفة الاستثمار في الصناعة. رأى الجميّل أن تكاثر الجامعات وتخريج عاطلين من العمل وعدم الإهتمام بالتعليم المهني مشاكل جدية، ليطرح في الختام رؤية إجتماعية وإقتصادية قابلة للنقاش من أجل النهوض بالصناعة والقطاعات الأخرى، من ضمنها تصحيح الاجور في القطاع الخاص واقرار سلسلة الرواتب، ولو مقسطة ومشروطة باصلاح الادارة العامّة.
«المجتمع مدني» يصفّق

لا آذان صاغية لكلام الجميّل من جانب هيئات «المجتمع المدني» (مثل جمعية لا فساد، LADE، الجبهة المدنية، هيئة الوثيقة والدستور، لقاء الدولة المدنية...) التي تلقّفت فكرة الهلع من الفراغ الرئاسي، وبدأت «تتغزّل» بالهيئات الإقتصادية وتناشدها استلام زمام الأمور والتخلص من «فساد السياسيين»، ودعتها إلى الإضراب للضغط من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، مصورةً الحل وكأنه «بيد رجال الاعمال». الأفظع في الأمر هو دعوة خليل خليل (لقاء الوثيقة والدستور)، الهيئات الإقتصادية «للإتّحاد في ما بينها وحمل رغيف الخبز والإمساك بالدولة لأن جميع الدول الناجحة يسيطر عليها إقتصاديين (يقصد الرأسماليين)»! حيّت الهيئات الإقتصادية «ثقة» المجتمع المدني بها، رافضةً تكرار الدعوة إلى الإضراب لأنه يترتب على كل يوم إضراب، وفق رئيس تجمّع رجال الأعمال فؤاد زمكحل، «خسارة 150 مليون دولار». لم تناقش الجمعيات أي أفكار أو سياسات إقتصادية وإجتماعية مع الهيئات (ما عدا طرح يتيم للإلتفات إلى القطاع الزراعي قدّمته إحدى الجمعيات)، أصبح همّها الفعلي إنتخاب رئيس وكأنه عندما كان يوجد رئيس كان وضع الناس ممتازا. تناسى «المجتمع المدني» أنّ الهيئات الإقتصادية تُضرب لتحقيق مصالحها فقط ومصالح «الماركة» التي تروجها، فهي اضربت عندما أقرّت اللجان المشتركة في مجلس النواب مشروع قانون زيادة الضريبة على الفوائد المصرفية من 5% إلى 7%، كذلك منعت هذه الهيئات إقرار سلسلة الرتب والرواتب وحرمت العمال في القطاع الخاص من تصحيح أجورهم. أمّا «نداء 25 حزيران»، الذي تفاخر به الطرفين لجهة ممارسة الضغط على الدولة، فيبدو أنه فات هيئات «المجتمع المدني» أنه كان للمطالبة «بانتخاب رئيس للجمهورية وإعــادة العمل بالمجلس النيابي لتأمين الاستدانة الخارجية»، لا لتحسين مستوى معيشة الناس.
إذا كانت طروحات الهيئات الإقتصادية مفهومة لناحية الدفاع عن مصالحها التي تستفيد من النموذج الإقتصادي القائم، فإن «غزل» هيئات المجتمع المدني فيها يوحي بانهيار الوعي، أو بأسوأ الأحوال يوحي بالرغبة في التقرّب منها بغية الحصول على تمويل بات يسيطر هاجسه على كافة «قضايا» الـ NGO›S.

يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر | Eva_choufi@