مقتطفات صحفية

 انهم يتقاسمون النفط الوطني! - بقلم د. ماجد منيمنة 

 
 

- اللواء -

ظهر الفساد بما كسبت أيدي الساسة وتجار المخدرات والمواد الغذائية الفاسدة؛ المندسون في بناء الدولة والمجتمع، شركاء في المقامرة الوطنية الكبرى، واحتلال المناصب وتوريثها كابراً عن كابر وفاسداً عن فاسد. انهم من يشكلون كانتونات الأثرياء في أطراف الوطن، يتاجرون بالوقت على اختلاف الديباجيات الإعلامية الهشة، وابتلاع الأسبوع بعد الأسبوع، والشهر تلو الشهر، يوهمون الناس أن معركة الإصلاح ومحاربة الفساد على أشدها، وإنّ مراحلها قد حققت أهدافها لمحاصرة بعض الفاسدين والزج بهم في سجون المترفين. يضاربون في الأسواق المالية بمال لا يفرقون فيه بين خزينة عامة ومحفظة شخصية، ناسين أو متناسين أن الشعب وبسببهم اضحى منقسماً على نفسه, بينما يضعون ايديهم بأيدي بعضهم البعض بعد ان تضرجت بدماء المواطنين الأبرياء وهم اليوم يتفقون على الكراسي الوزارية والمقاعد السيادية والوزارات التي سوف تأتي لهم ولأفرقائهم بأحسن العائدات المالية والمعنوية!!.
منذ انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية، وقبل استكمال مسيرة التحرر، تم اغراق اللبنانيين بكل انواع الوعود المعسولة، وتم وضع خطة للنمو الاقتصادي لاعادة الاعمار والنهوص الاقتصادي. ولكن هذه الخطة فشلت فشلا ذريعا في تحقيق استهدافاتها. ودأبت فذلكات الموازنات العامة تضج بالوعود، لتأتي النتائح مخيبة للآمال، ولا من يحاسب على الصعيدين الشعبي والرسمي. وبدل تحقيق تنمية حقيقية، تم دفع لبنان الى فخ المديونية. وتساقطت اكثرية الطبقة الوسطى الى مصاف الطبقات الدنيا والى نطاق الفقر. واتسعت دائرة الفقر المدقع، وتردى مستوى الخدمات الأساسية ونطاق تغطيتها، وانخفضت المداخيل الحقيقية للأكثرية الساحقة من اللبنانيين وخاصة من ذوي الدخل المحدود بينما ارتفعت ثروات قلة من اللبنانيين بمعدلات هائلة، واختلف وقع السياسة المالية. فالسياسة المالية في جميع دول العالم ومنها الجباية العامة والانفاق العام تعيد توزيع المداخيل لمصلحة الشرائح الدنيا في المجتمع. فعبر الضرائب التصاعدية يأخذ نسبة من دخل الأغنياء، وعبر دعم العديد من السلع والخدمات الأساسية يعطي دخلا حقيقيا للشرائح المعدومة، فتضيق بذلك الفوارق الطبقية الا في هذا الوطن الصغير فالسياسي والمحسوب عليه فقط يرتقي الى اعلى مستوى.
ولم تكترث الطبقة الحاكمة وممثليها في السلطة لاعتراضات العديد من الاقتصاديين وتحذيراتهم من مخاطر السياسات النقدية والمالية المتبعة. فقد تم التنبيه الى استحالة استرداد دور لبنان السابق على الصعيد الاقتصادي، نتيجة تطورات الداخل اللبناني والمحيط العربي، كما الدولي، ونتيجة تطورات هائلة في وسائل الاتصال والمواصلات، والى استحالة جعل بيروت مركزا للشركات المتعددة الجنسيات في الشرق الاوسط اذا لم تنكب الدولة على مكافحة الفساد وزج المفسدين في السجون ومحاكمتهم واسترداد المال العام المنهوب واستثماره في البنية التحتية. كما تم التنبيه مرارا وتكرارا لمخاطر تراكم الدين العام ودفع لبنان الى فخ المديونية ووضعه تحت الوصاية الدولية.
ولكن ولمنع المحاسبة والمساءلة تم تكبيل مؤسسات الرقابة والمحاسبة والاحصاء وشلّها، وتم استخدام كافة وسائل الاعلام للتغطية على فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية عبر الترويج للازدهار والتقدم الاقتصادي، بينما يتم طمس واخفاء كل المؤشرات الاساسية التي تدل على تراجع المقومات الاقتصادية للبنان، وتظهر تراجع معدلات التنمية الاقتصادية، وتردي معظم الخدمات الاجتماعية والبيئية. اذ ان السياسات الاقتصادية المتبعة خلقت بيئة معادية للعمل والتوظيف في قطاعات الانتاج الحقيقي، وبسبب ارتفاع كلفة الاموال الى معدلات تفوق المردود المنتظر من التوظيفات. وبالتالي فهناك من يقول بأن البلد بألف خير لأن مصارفه بخير، ومن الناحية الاقتصادية - المالية هنالك دراسات تشير الى أن ارتفاع كمية الودائع يكون مؤشرا ايجابيا اذا ادى الى ارتفاع مماثل في التسليفات المنتجة، وهذا لم يحدث في السوق المالية اللبنانية. كما ان قطاع المصارف هو قطاع وسيط بين المدخرين والموظفين، وليس قطاعا ينتج خدمات انمائية. كما أن كفاءة القطاع لا تقاس بارتفاع ربحيته بشكل عام، بل بضيق وتدني كلفة الوساطة المالية لديه، أي بضيق الفارق بين الفائدتين الدائنة والمدينة. وهذا الفرق مرتفع جدا في لبنان، ويبلغ اضعاف ما هو عليه في الاسواق المالية العالمية، ويدل على البنية الاحتكارية لقطاع المصارف، وغياب سوق مالية رسمية تنافس المصارف التجارية في دور الوساطة. لذلك فان ارتفاع معدل الارباح، او مردود رؤوس اموال المصارف، يعد ظاهرة سلبية وليست ايجابية على الاطلاق.
هذه السياسات الاقتصادية المالية النقدية المتبعة، لم تكن نتيجة جهل، بل نتيجة مصالح وارتباطات الطبقة الحاكمة التي ازدادت ثراء على حساب الاكثرية الساحقة من اللبنانيين. فاصحاب المصارف استطاعوا زيادة رؤوس اموال المصارف خلال فترة وجيزة لا تتعدى ثمانية سنوات، وان يرفعوا من معدلات الربحية لديهم الى اضعاف مضاعفة من نسب معدلات أرباح المصارف العالمية. واصحاب الوكالات الحصرية المحمية قانونيا، استطاعوا ان يرفعوا مردود رؤوس الاموال لديهم بأضعاف مضاعفة مقارنة بمردود يقل عن 5% على الصعيد العالمي. وبذلك استطاعت البنية الاحتكارية لقطاعات الاقتصاد اللبناني ان ترفع معدلات الاسعار في لبنان بحوالي ثلث راتب اصحاب الدخل المحدود!!.
إن انتشال لبنان من التدحرج نحو الهاوية لا يمكن ان يتم عبر وصول الوزراء المحسوبين على هذا الفريق السياسي أو ذاك الفريق السياسي وهم مدعومون بقوى سياسية لم تعرف الا الفساد. بل أن انتشال لبنان من التدحرج لا يمكن ان يتم الا عبر تغيير عقلية الحكم ونهجه واولوياته، اي عبر تغيير الطبقة الحاكمة. هذه الطبقة الحاكمة المتحصنة بتحالفاتها الخارجية وبنظام الطائفية السياسية والديمقراطية التوافقية، التي تمكن اي قوة مذهبية من تعطيل اي اصلاح جزئي للنظام، التي لن تسمح بقيام ديمقراطية حقيقية تعكس المصالح الحقيقية للجماهير، بحيث تزول الامتيازات الطائفية ويتساوى جميع المواطنين بالحقوق والواجبات.
وما زال المواطن ينظر الى الزعماء وقادة الطوائف كحماة له من جور السلطة وعدوانيتها. وهو لا يشعر ان المال العام هو ماله. وان موظفي الدوائر الرسمية هم لخدمته، بل يتوسط لدى النواب والزعماء لتسيير أعماله لدى الدوائر الرسمية او بواسطة الرشوة التي تأخذ طريقها الى جيوب الموظفين الفاسدين والنافذين والذين لا يجرؤ أحد على محاسبتهم، فكيف بالمواطن الصالح أن يحاسب الزعماء والقادة من نواب ووزراء ومدراء رسميين؟ يا عباقرة دراسات الجدوى في السوق الشرق الأوسطيه الجديدة ويا جباة الضرائب لصالح صندوق النقد والبنك الدوليين، انكم تؤسسون لانتداب عصري بسياسة تحقيق المكاسب الضيقة، فانكم قد وضعتم كل الوطن تحت خط الإستواء على خريطة الفقر العالمية!! انكم توفرون البيئة الحاضنة للفساد وتصرون على فتح حساب لكم مبني على الأطماع الهادفة لشفط النفط المدفون في قعر البحار!!.
ان الشعب اللبناني أخذ صبره ينفد جراء ذلك الحصاد المر الذي تورثه الحكومات والجهات النافذة المحسوبة التي لا تمثله، فهم يستخفون بالشعب ويخادعون ويخفقون في تقريب وجهات النظر بين الخطاب والاستيعاب، خطاب البيان الوزاري المستنير للتنمية، والاستيعاب التنفيذي البطيء، انكم تسيرون سير السلحفاة نحو حلم الإصلاح من حكومة تتجه بعكس رياح!
نعم إننا نطالب بتشكيل حكومة إنقاذ وطني للإمساك بزمام الأمور، والتحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية وفق قانون عصري، وإعلان الإصلاحات الدستورية المنشودة، إننا نعتبر أنفسنا بكل شرف وتواضع جزءاً من جبهة الإصلاح الوطنية، وشركاء كل القوى الوطنية الصالحة في حراكها لتثبيت المشروع الانمائي الوطني ولتبني الإصلاح كخيار استراتيجي ملحًّ منذ الآن وقبل غد وذلك قبل أن نبكي وطناً لم نحافظ عليه مثل الرجال، هذه هي كلمتنا ولا خير فينا إن لم نقلها، ولا خير فينا إن لم نكن من المصلحين!! فهل واحد منكم يشاركنا هواجسنا هذه؟.

* خبير مالي ومحلل اقتصادي.
* دكتوراه في المالية الدولية.