مقتطفات صحفية

 عسكرة الإقتصاد - اللواء 

 
 

بقلم د. ماجد منيمنة

تُعوّل الولايات المتحدة والدول الأوروبية وروسيا وإيران وإسرائيل على واقع التوترات الإقليمية في منطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي، من زاوية حرص كل دولة على مستقبل مصالحها الاستراتيجية وأهدافها التجارية والاقتصادية. وبحسب ما تم استخلاصه من تجارب الحروب على البلاد العربية، فإن السياسات المرسومة والسيناريوهات المقترحة، تستند بحساباتها العملية على ما تحدثه الأزمات الاقتصادية من مؤثرات واختلالات تكون في العادة من الأسباب التي تضعف بنية النسيج الاجتماعي، والاستيلاء على مقدرات الدول التي توضع تحت تصرف تجار الأزمات والشركات العابرة للقارات.
إن مجريات السياسة الدولية تؤكد أن الدول الغربية لا تتدخل في أي منطقة من مناطق العالم إلا وتكون لها أهداف استراتيجية واقتصادية واضحة، ولا يهمّ أن تكون هذه الأهداف على حساب سفك الدماء وزهق  الأرواح وتدمير البنية التحتية وشل الحركة الاقتصادية في المنطقة التي تتدخل فيها، ويظهر ذلك بوضوح في العديد من الدول العربية من خلال خلق مناخ يسوده التوتر والاحتقان ويشجع على إثارة القلق والاضطراب واللعب على أوتار الخلافات العربية والإثنية وتصعيدها، والعمل على تحويلها إلى صراعات ملتهبة ومستمرة تهدد أمن المنطقة العربية برمتها.
وبهذا جعلت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، منطقة الشرق الأوسط منطقة تعيش الحروب والأزمات خاصة بسبب احتضانها للكيان الصهيوني وإمداده بكل أشكال الدعم المادي والاقتصادي والعسكري وتوفير الحماية السياسية والأمنية لهذا الكيان الغاصب لأرض فلسطين العربية، والذي أصبح قاعدة تهديد وانطلاق نحو خلق الأزمات والعدوان على الأقطار العربية والتدخل بشؤونها الداخلية، والعمل على إجهاض أي مشروع نهضوي عربي. كما أنها أعطت الشرعية إلى بلدان مجاورة بامتلاك الأسلحة النووية وترسانة كيميائية لتكون رأس الحربة في معركة ضد الأنظمة العربية التي تمتلك أموال «البترودولار»، والتي يسعى الغرب جاهداً في كل مرة لتحويلها إلى سلعة عسكرية تشغّل من خلالها معامل أسلحته الفتّاكة التي تنهش بأجساد العرب, ومن خلالها تخلق فرص عمل لمواطنيه العاطلين عن العمل. فالملف الكيميائي السوري والملف النووي الإيراني يستخدمان الآن كفتيل لإشعال المنطقة. ويعزز هذا التوجه السياسة الإيرانية القائمة على التوسّع والمواجهة والتحدّي وغيرها من السياسات التي لا يمكن لدول الجوار المتضررة منها السكوت عليها. إن التهديدات الإيرانية الدائمة بإغلاق مضيق هرمز وتدمير المنشآت البترولية والصناعية في الخليج، هو غاية ما تتمناه إسرائيل والقوى التي تدعمها، لأن مثل ذلك الفعل سوف يفتح الباب على مصراعيه أمام الشركات الغربية للفوز بعقود إعادة الاعمار، ومعه تقفز أسعار النفط التي من خلالها سوف تجني الشركات الأميركية والأوروبية الأرباح الطائلة, حيث أن الكلفة المرتفعة لاستخراج النفط من المناطق النائية سوف تصبح في الإطار المقبول، وبذلك يصطاد الغرب عصفورين بحجر واحد تحت ذريعة الملف النووي الإيراني والتوسع في السياسة الإقليمية.
ما من أزمة عربية إلا وتتولى الدول الغربية الوساطة فيها، من دون أن تطلب منها أطراف الأزمة التدخل في ذلك، إذ تتظاهر بأنها خائفة على مصالح العرب وأمن مواطنيهم، وإنها تسعى إلى السيطرة على الأزمة وتطويقها والتحكم فيها، ومنع أطراف أخرى من الانخراط فيها لمنع تدويلها، ولكنها في حقيقة الأمر تتآمر على العرب وأوطانهم وتكيد لهم ولشعوبهم، فتعقد العزم على التدخل لحل الأزمة التي هي من صنعهم والتي يمولونها ويرعون الفرقاء فيها من أجل تعميق وإطالة المشكلة بما يصب في المصلحة الغربية بالدرجة الأولى وهدفها إعادة ترتيب المنطقة من جديد لصالح إسرائيل.
وليس بعيداً عن الفكر الذي يؤمن بنظريات المؤامرة والتخطيط الاستراتيجي، فما يحدث في الوطن العربي من أزمات لم يأت بمحض الصدفة، بل يعد تخطيطاً إستراتيجياً للصهيونية العالمية التي تنادي بتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، وذلك لضمان استقرار إسرائيل  السياسي والاقتصادي والعسكري، والسيطرة على موارد المنطقة العربية، وإيقاف عملية التنمية لدى البلاد العربية، وإعادتهم إلى الوراء وتدمير الأمن ومنظومات القيم والأخلاق وتفتيت النسيج الاجتماعي بين مختلف فئات الشعب العربي. فالمتتبع للتاريخ يجد أن الدول العربية تتعرض في كل مرة إلى أزمات ومتغيرات تعسفية تهدف إلى زعزعة استقرار وأمن المنطقة العربية، كما أن المتابع لتاريخ المنطقة يرصد الأزمات المفتعلة. كما أن الأزمات الاقتصادية والسياسية تدفع ثمنها الدول العربية والاقتصاد العربي بسبب أن الدول الغربية تصدر أزماتها بحجج مختلفة ومن خلال إعلام مسيّس، يُسلط الضوء على الأسلحة غير التقليدية، كما حصل في الحالة العراقية، وبحجج أخرى تتبناها كفرض الديمقراطية والحرية اللتين لا يمكن تطبيقهما في مجتمعنا العربي الذي يعاني من الفقر والجوع، كما تهدف من هذه الأزمات إلى السيطرة المباشرة على الموارد العربية والمواقع الاستراتيجية في المنطقة.
إن ما جرى، وما يزال يجري في المنطقة، هو لمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى، وهدفه إعادة ترتيب جديد للمنطقة بمشاريع تدويل أزمات داخلية عربية، مع مخاطر تقسيم المجتمعات والكيانات على أسس طائفية ومذهبية وإثنية، وسط رياح عاصفة تهب من الشرق الإقليمي ومن الغرب الدولي ومن قلب هذه الأمة، حيث مقر المشروع الصهيوني التقسيمي. والمؤسف هو الوضع العربي اليوم، إذ أن الشعوب العربية لم تجد في الانتفاضات الشعبية كل ما كانت ترجوه من نتائج وأهداف وآمال لتغيير أوضاعها في الاتجاه السليم، وأن بعض هذه الانتفاضات أصبح مسيّراً من الخارج، بينما تزداد حكومات الدول العربية تباعداً في ما بينها، مما يجعل الحكومات والشعوب ومصائر الأوطان مرهونة عموماً للإرادات الخارجية، إذ تعيش المنطقة العربية أجواء خوف من التقسيم لأن السياسة الصهيونية - الأميركية لا يمكنها العيش في منطقة اقتصادها قوي وواعد, لذلك تلجأ إلى تمزيقها وتفتيتها من خلال حروب عبثية طويلة الأمد, تبدأ بتدمير كل مقومات الدولة وتنتهي بإظهار محاولات تعاطف غير بريئة مع متطلبات الشعوب العربية للإصلاح وتحقيق الديمقراطية المرجوة.
ومن المؤسف أن هذا الفيلم الأميركي الطويل يُعرض دائما على الشاشات العربية، ويحظى بحضور كبير من المشاهدين العرب الذين ينسون دائماً المشاهد الأولى منه, فتارة يصفقون للبطل وتارة أخرى يبكون عليه!