مقتطفات صحفية

 أهمية العمل في الاقتصاد الاسلامي 

 
 

بقلم د. ماجد منيمنة - اللواء

يعالج الاقتصاد الإسلامي مشاكل الفقر والعوز من دون منازع, ولو طبّقت هذه المفاهيم الاسلامية كما يجب لما ظهرت في الأمَّة الاسلامية هذه المظاهر الاجتماعية الدنيا.ومن المبادئ الاساسية للاقتصاد الإسلامي هي باب الزكاة التي شرعها الله سبحانه وتعالى لإكتفاء الناس‏ وتوزيع الثروات والأموال في ما بينهم.‏ فالزكاة ليست مهمتها أن تعطي للفقير أموالا يستهلكها في يوم أو في شهر أو حتى في سنة. وإنما مهمة الزكاة أن تغني الإنسان العمر كله وأن تكون له رافعة لحياته الاجتماعية. فمن القضايا المثارة في الفكر الإسلامي هي ما الذي يجب أن نعطيه للفقير‏،‏ هل نعطيه كفاية السنة أو نعطيه كفاية العمر؟ وطبعا الجواب الصواب والأصح في هذا الأمر هو أن نعطي الفقير كفاية العمر!

لذلك يستطيع الإسلام من خلال الزكاة أن يقدم للفقراء رؤوس أموال يستخدمونها في أعمال انتاجية تعطيهم دعماً مادياً وكفاية مالية لمدى العمر. وبهذا يصبح الفقير ميسوراً ليس من هذا المال الموسمي الذي يقدم اليه عند مرور الحول عليه, انما يكون متوفراً من عمله ومجهوده الدائمين‏، وهذا طبعا يسهل الأمر على الأشخاص الذين يجيدون العمل بالحرف المختلفة. ويقول المثل الصيني القديم «لا تعطه سمكة بل اعطه صنارة وعلمه الصيد» اي علمه حرفة ليعمل بها ويعتاش منها.‏ ويمكن للفقير أن يصبح ميسوراً من خلال إيجاد عمل له سواء في مصنع أو اية حرفة حتى ولو لم يكن مالكًا لهما وهذا من خلال قيام المؤسسات الاسلامية ببناء المصانع والمشاريع التجارية والمشاريع السكنية والمشاتل الزراعية والمجمعات السياحية والمستشفيات والمستوصفات الطبية على اراضي الوقف وتوظيف الفقراء والمحتاجين فيها. وبذلك نكون قد أغنينا هؤلاء الناس، وبهذا نقضي على المشكلة الثانية التي تواجهنا وهي مشكلة البطالة في صفوف شباب المسلمين.

والإنسان في الإسلام مكلَّف بالعمل لأن معيار التفاضل بين الناس في الإسلام هو العمل، وليس مدى امتلاكهم للأموال‏،‏ فالخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‏:‏ «إنه ليعجبني الرجل طوله وعرضه فأسأل ألديه حرفة؟ فإذا قيل لا سقط من النظر‏»،‏ وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «ما أكل أحد طعامًا قطّ خيرًا من أنَّ يأكل من عمل يده‏،‏ وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده»‏‏ وقد ذكر أن نبي الله داود كان نبيًّا وملكًا أي كان غنياً‏ وميسوراً ولكنه كان مثابرا على عمله وانتاجه،‏ وكما يوضح لنا الله سبحانه وتعالى في سورة الملك أن الإنسان خلق للعمل ولإعمار الأرض‏،‏ كما أن كل الفرائض المكلَّف بها المسلمون هي عبارة عن عمل, فالصلاة والصوم والحج والزكاة هي أعمال يقوم بها المسلم من أجل مرضاة الله ومرضاة النفس‏.‏

وفي عصرنا الحاضر لم تطبقْ فريضة الزكاة التطبيق الصحيح كما شرعها الإسلام‏،‏ أما في العصور الإسلاميَّة الأولى فإنه لم يكن هناك فقراء لأن الزكاة كانت تكفي الناس وتفيض عن حاجتهم‏.‏ وفي أيامنا هذه المعاصرة فإنه لا توجد دولة تطبق نظام الزكاة بشكل صحيح وكامل إلا دولتان هي السودان وماليزيا لأنها تحول أموال الزكاة الى مشاريع ريعية وانتاجية تبتكر من خلالها ايرادات دائمة للفقراء. أما السعوديَّة فلها نظام خاص بها في الزكاة حيث تطالب الأغنياء بتحديد قيمة الزكاة التي يدفعونها وتأخذ منهم نصفها وتترك لهم النصف الآخر من الزكاة لينفقوه بمعرفتهم على من يعرفون من الفقراء‏،‏ بمعنى أن ‏50%‏ من أموال الزكاة تدفع للدولة‏،‏ و‏50%‏ يدفعها الأغنياء لمن يريدون من الفقراء. وفي لبنان يتم جمع مبالغ كبيرة من أموال الزكاة, ولكن هذه المبالغ هي غير منظَّمة ولا يتمُّ إنفاقها على برامج انمائية تخلق فرص عمل للفقراء الذين هم بتزايد دائم وانما توزع على طريقة النفقات الشهرية أو الصدقات الموسمية‏ أو هبات لسد حاجات انسانية ومرضية.

لذلك يجب أن تكون علاقة الزكاة ما بين المؤسسات الاسلامية والمواطنين بحيث تقوم تلك المؤسسات الاسلامية المشرف عليها من قبل الهيئات التشريعية, بجمع الزكاة من الأغنياء لإنفاقها على المشاريع الريعية التي تنقل الفقراء إلى مستوى اجتماعي أفضل.‏ ومن الممكن أن يتحقق هذا الأمر من خلال إنشاء جهاز للزكاة من المتخصصين في العلوم التجارية والمالية يقوم بتحصيل أموال الزكاة من كل من تجب عليه واستخدام حصيلتها في بناء المشاريع الزراعيَّة والصناعيَّة والتجاريَّة التي تخدم الفقراء بشكل يجعلهم قادرين على كسب ما يسد احتياجاتهم‏.‏ وهذا الأسلوب بدأت بتطبيقه دولة قطر من خلال صندوق الزكاة، وهو مثال جيد لتطبيق الزكاة بالأسلوب الصحيح والمفيد‏ للغاية التجارية التي تجعل من هذه العجلة الاقتصادية وسيلة للتحصيل المالي. وعلى الدول التي تطبِّق نظام الزكاة أن تقوم بصرف هذه النفقات من قبل المصارف الاسلامية الشرعيَّة لبدء حركة اقتصادية كاملة ولتفعيل الاقتصاد الاسلامي الذي يمثل هويتنا والذي نحن بأمس الحاجة اليه في تلك الظروف القاسية التي يعيشها عالمنا العربي والاسلامي‏.‏