مقتطفات صحفية

 ميثاق شرف اقتصادي - بقلم الوزير فادي عبود 

 
 

النّهار – 13 حزيران 2013

من المؤكد ان صرخة الهيئات الاقتصادية اول من امس، هي في محلها وتعبر عن مخاوف اللبنانيين الذين ينظرون الى لقمة عيشهم ورزقهم واعمالهم بعين الخوف والترقب نتيجة التطورات المتسارعة والتناحر على الساحة الداخلية.
لكن، وبالنظر الى محتوى الصرخة وشكلها العام، يتساءل الفرد "لماذا فشلت الهيئات الاقتصادية في توفير ضغط وازن على الجميع؟ ولماذا تحولت مواقفها مؤتمراً في قاعة مقفلة تنتهي مفاعيلها بانتهاء المؤتمر؟". فما الذي حققته الهيئات البارحة من الصرخة التي اطلقت؟ لقد اعتبرها الكثيرون موقفاً مسيساً لا يعبر عن الصورة الشاملة وتالياً قد تكون المواقف التي اطلقت وركزت على جانب محدد من الأزمة من دون التطرق الى بقية وجوه الازمة، قد أضعفت موقف الهيئات ولم تقوِّها.
مما لا شك فيه، ان طلب النأي بالنفس هو مطلب لبناني جامع. ولكن الاشارة الى طرف واحد من دون التطرق الى بقية الاطراف التي لم تلتزم النأي بالنفس منذ اندلاع الازمة السورية، يُضعف حجة الهيئات الاقتصادية ويجعل المراقب يشكك في الاهداف الفعلية للمؤتمر، في الوقت المطلوب فيه من الهيئات ان تؤدي دور المحايد لتتمكن من جمع الافرقاء السياسيين كافة من دون استثناء وان تكون جسر عبور بين الاطراف المتناحرين لتخفف وطأة الانقسام الحاد في البلد، لا ان تنطلق بمواقف قاسية تزيد النار اشتعالاً وتوسع الشرخ الحاصل. اذ شكلت الهيئات دائما صمام الامان في البلد، لاعتمادها الدائم على علمية المواقف وشفافية المطالب التي تستهدف جميع التوجهات السياسية بلا استثناء.
مما لا شك فيه، ان مشاركة "حزب الله" في القتال في سوريا هو مادة للحوار، ويجب ان يتم تحليل وتقدير التبعات التي سيتحملها لبنان من جراء ذلك. واننا نعتبر كل تدخل في سوريا يجرّ تبعات اقتصادية سلبية على البلد، الا انه كان من الاجدى تفهم موقف حزب الله في المشاركة والعمل على ايجاد حلول له انطلاقا من مفهوم الشراكة ومن تخوفات الحزب، وهو شريك اساسي في البلد مهما حاول البعض التعامي عن هذا الواقع الاساسي. والاهم ان "حزب الله" ليس من كسر سياسة النأي بالنفس. ان كل الاطراف دخلوا على خط الازمة السورية منذ اندلاعها، عبر تهريب السلاح والمسلحين وعبر المواقف والتصريحات والتظاهرات المستفزة. وتالياً، كان من الحيوي  للهيئات الاضاءة على كامل جوانب الازمة لتكون شريكاً اساسيا في الحل لا طرفا في النزاع، ولتصل الصرخة حقيقة الى الاطراف كافة وتلقى آذاناً صاغية.
وفي مقاربتها لموضوع المقاطعة الخليجية للبنان، لم تعرض الهيئات الموضوع الا من زاوية التحسر والبكاء على الاطلال بدل ان تفرض مطالب واضحة وسريعة وملزمة لحضّ الاطراف السياسيين والامنيين على تقديم تطمينات للخليجيين تتعلق بامنهم وسلامتهم في لبنان، وان تعلن عن زيارات رسمية لكل المجتمعين انفسهم في "البيال" الى الدول الخليجية لاطلاق باب الحوار مع اخواننا الخليجيين، ما كان سيشكل احراجاً للسياسيين كافة ويعطي الهيئات نقطة ايجابية لمصلحتها.
اما الخطأ الذي سقطت فيه الهيئات، فهو عدم التطرق الى موضوع التمديد وأثره المباشر السلبي في الاقتصاد والسياحة  والحركة الاستثمارية، فان اعتراف السلطة التشريعية بعدم قدرتها على اجراء الانتخابات هو اعتراف رسمي من الدولة بسوء الاوضاع مما يوجه اشارات سلبية الى المستثمرين والسياح والى الداخل كما الى الخارج. فكيف غاب عن الهيئات رفض هذه الانتكاسة وشجبها في مسيرة الديموقراطية اللبنانية، وخصوصاً انها عقدت مؤتمرها في اليوم عينه لعدم توفير النصاب في المجلس الدستوري؟ وهي اشارة اشد وطأة من التمديد عينه، اذ تحول من يفترض بهم حماية الدستور والمؤسسات، الى اطراف تحركها القوى السياسية.
فما هو الاخطر على صورة البلد، ان يشارك طرف في الحرب في سوريا ام ان تعترف السلطة التشريعية بكل اطيافها وعناصرها بخطورة الاوضاع وبتكريس واقع لم نعتمده حتى في عز أسوأ الحروب؟
أليس خطيراً على الاستثمارات وتدفقات الاموال وتطمين السياح ليزوروا لبنان، ان نعترف بعجزنا عن ادارة شؤون البلاد واجراء انتخابات؟ وفي ظل كل ذلك لا تأتي الهيئات على ذكر ذلك لا من بعيد ولا من قريب.
قد تكون الهيئات اساءت التعبير عن نفسها، الا ان جوهر مطالبتها هو حقيقي وضروري، في مراعاة لقمة عيش الناس وتحييد الاقتصاد عن السياسة والنزاعات، والدعوة الى حوار اقتصادي حقيقي بقلب مفتوح وعقل منفتح. حوار يجمع الهيئات الاقتصادية كلها بالاضافة الى ممثلي الاطراف السياسيين ليتمّ الاتفاق على ميثاق شرف، باعتماد نأي بالنفس اقتصادي، اذ يتم تحييد الاقتصاد عن جميع التبعات الامنية والسياسية، وان يراعي كل سياسي الهم الاقتصادي في خطاباته ومواقفه، وان يتوجه كل الاطراف المتنازعين الى سياحنا ومغتربينا لتطمينهم بان امنهم وسلامتهم هما شأن مقدس عند جميع الاطراف.
والاهم ان يؤدي الحوار الاقتصادي المنفتح الى خطة عمل واضحة المعالم تلزم هذه الاطراف بمسؤوليات محددة، لا ان يتحول رؤساء الهيئات الاقتصادية الى خَطَبة منابر تنتهي ادوارهم بانتهاء "الهمروجة" الاعلامية.
يجب ان تستعيد الهيئات الاقتصادية دورها الحقيقي والفاعل، والخطوة الاولى لذلك هي النظر بعيون حيادية الى جميع الوقائع وتسمية الامور باسمائها، والجرأة على انتقاد كل من يقوّض الاقتصاد في هذا البلد، بشفافية وحكمة.